للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧)} [المائدة]. فهذه مقالة نبي الله عيسى -عليها السلام- في الموقف الجامع يوم الحشر الأكبر يبرأ إلى الله -جل وعلا- ممن عبده من دون الله؛ ولهذا يقول ربنا- سبحانه-: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: ١٧]، وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: ٧٣]، وقال سبحانه: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (٨٩) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (٩١) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (٩٢)} [مريم]. فليس للأنبياء ولا لغيرهم من صفات الربوبية ولا من صفات الألوهية شيء.

[اصطفاء الله للأنبياء والرسل]

ويجب أن نؤمن بأنهم رسل الله، وبأن الله -جل وعلا- قد أكرمهم، ونُطِيعُهم. فطاعتُهم من طاعة الله -جل وعلا- قال ربنا سبحانه: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: ٨٠].

ومع أنهم كانوا بشرًا إلا أن الله -جل وعلا- جبلهم على أكمل الأخلاق وأكمل الأوصاف، فلا شكَّ أن البشر يتفاوتون فيما بينهم تفاوتًا كبيرًا في الخَلْق وفي الخُلُق لكن أنبياء الله -جل وعلا- كانوا يمثِّلُون الكمال الإنساني في أرقى صوره؛ فإن الله -جل وعلا- يقول: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: ١٢٤]. فقد اختارهم الله من أطهر البشر قلوبًا، وأزكاهم أخلاقًا، وأجودهم قريحةً؛ ولهذا يقول ربنا -سبحانه وتعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (٦٩)} [الأحزاب] فالله -جل وعلا- خلقهم وجعلهم أكمل الناس في خَلْقهم وفي خُلُقهم، فكانوا أكمل الناس أجسامًا، وأحسنَ الناس صُورًا.

وقد وصف لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض الأنبياء وبعض الرسل لما رآهم ليلة أسري به.

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رَأَيْتُ مُوسَى وَإِذَا هُوَ رَجُلٌ ضَرْبٌ رَجِلٌ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ رَبْعَةٌ أَحْمَرُ، كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاس-يعني الحمَّام-وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ -عليها السلام- بِهِ» (١).


(١) البخاري (٣٣٩٤)، (٣٤٣٧) واللفظ له، ومسلم (١٦٨)، (١٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>