للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أشد الناس بلاء]

ولذلك تعرض الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- للابتلاءات كما تعرض غيرهم من البشر، لكن الأنبياء أشدُّ الناس بلاء. فهذا يوسف -عليها السلام- نبي الله ورسوله سُجِنَ {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف: ٣٣] وذكر الله أنه لبث في السجن، فقال: {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف: ٤٢]. وقال ربنا -جل وعلا- في شأن أنبياء بني إسرائيل: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (٨٧)} [البقرة]. ومن الأنبياء الذين قتلوا: نبيُّ الله يحيى -عليها السلام- قتل بسبب امرأة (١) وقيل إن أباه نبيَّ الله زكريا -عليها السلام- قتل بعده، وقيل بل مات موتا لم يقتل (٢). لكنه -عليها السلام- ابتلي في قتل ابنه يحيى -عليهما السلام-. وتآمروا على قتل نبي الله عيسى -عليها السلام-، فرفعه الله إليه. ويبتلى الأنبياء بالأمراض كما هو معروف ومعلوم من قصة نبي الله أيوب -عليها السلام-، فقد لبث في البلاء ثماني عشرة سنة فرَفَضَه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه (٣). وقال الله -جل وعلا- في قصته: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ


(١) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت (٤٤) والطبري في تفسيره ط هجر (١٤/ ٥٠٣) والحاكم في المستدرك (٣١٤٦، ٤١٥١) عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-. وصححه الحاكم على شرط الشيخين وفيه نظر، فإن المنهال لم يخرج له مسلم شيئا. وانظر الخبر في تفسير الطبري (١٤/ ٤٩٨ - ٥٠٠)، وفي مصنف ابن أبي شيبة (٣١٩٠٥): حدثنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: ما قتل يحيى بن زكريا إلا في امرأة بغي قالت لصاحبها: لا أرضى عنك حتى تأتيني برأسه، قال: فذبحه فأتاها برأسه في طست وفي مستدرك الحاكم (٦٣٤٨) عن عبدالله بن الزبير: من أنكر البلاء فإني لا أنكره، لقد ذُكِرَ لي: إنما قتل يحيى بن زكريا في زانية كانت جارية. وانظر كذلك البداية والنهاية (٢/ ٤١١ - ٤١٣).
(٢) انظر: قصص الأنبياء لابن كثير (٢/ ٣٥٨)
(٣) قصة أيوب -عليها السلام- ولبثه في البلاء ثمان عشرة سنة صحيحة، رواها جماعة عن نَافِعِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عُقَيل بْنِ خَالِدٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. رواها البزار (٦٣٣٣) وأبو يعلى (٣٦١٧) في مسنديهما، والطبري (٢٠/ ١٠٩) وابن أبي حاتم [كما في «تفسير ابن كثير» (٥/ ٣٦١، ٧/ ٧٥)] والثعلبي (١٨/ ٢٠٨) في تفاسيرهم. والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٤٥٩٣)، والطبراني في «الأحاديث الطوال» (ص ٢٧٦) -[وعنه وعن غيره أبو نعيم في «حلية الأولياء» (٣/ ٣٧٤)، والضياء المقدسي في «الأمراض أو الطب النبوي» (ص ٢٩)]- والديلمي [كما في «زهر الفردوس» (٨٨٧) لابن حجر]، وابن عساكر في «تاريخه» (١٠/ ٧١). وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن الزهري، عن أنس إلا عقيل، ولا رواه عن عقيل إلا نافع بن يزيد ورواه عن نافع غير واحد ا. هـ قلت: عقيل ومن فوقه على شرط الشيخين، ونافع بن يزيد هو الكلاعي المصري، روى له مسلم واستشهد به البخاري وهو ثقة قال ابن يونس في تاريخه (١/ ٤٩٢): وكان ثبتا فى الحديث، لا يختلف فيه ا. هـ ووثقه غير واحد كما في التهذيب. وخولف في سنده. رواه الطحاوي من طريق نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، مرسلا. ورواية نافع أصح، فإن في حفظ نعيم بن حماد ضعفا كما في التقريب. والحديث صححه ابن حبان (٢٨٩٨) والحاكم (٤١١٥) وخرجه الضياء المقدسي في «المختارة» (٢٦١٦). وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين!، وفيه نظر، فنافع بن يزيد، لم يعتمده البخاري كما تقدم وروايته عن عقيل، ليست على شرط مسلم. وعبارة الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٨/ ٢٠٨) أصح، قال: «رواه أبو يعلى والبزار، ورجال البزار رجال الصحيح» وقال البوصيري في «إتحاف الخيرة» (٧/ ١٤٢): إسناده صحيح ا. هـ وقال الحافظ في «الفتح» (٦/ ٤٢١): إنه أصح ماورد في قصته. والحديث صححه الألباني في الصحيحة (١٧) وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: رَفْعُ هَذَا الْحَدِيثِ غَرِيبٌ جِدًّا ا. هـ وقال في «البداية والنهاية ت التركي» (١/ ٥١١): «وَهَذَا غَرِيبٌ رَفْعُهُ جِدًّا، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا» ا. هـ وارتضاه شيخنا الوادعي فذكر الحديث في أحاديث معلة ظاهرها الصحة. والأقرب صحته مرفوعا فإن إسناده صحيح ورجاله ثقات. والحافظ ابن كثير -رحمه الله- لم يذكر حجةً فيما ذهب إليه والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>