للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السعادة، ومن كان من القبضة الأخرى كان من أهل الشقاوة، فيجب أن يعلم هؤلاء جميعا أن الله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١] لا في ذاته ولا في صفاته، فإذا قبض قبضة فهي بعلمه وعدله وحكمته، فهو تعالى قبض باليمنى على من علم أنه سيطيعه حين يؤمر بطاعته، وقبض بالأخرى على من سبق في علمه تعالى أنه سيعصيه حين يؤمر بطاعته، ويستحيل على عدل الله تعالى أن يقبض باليمنى على من هو مستحق أن يكون من أهل القبضة الأخرى، والعكس بالعكس، كيف والله -عز وجل- يقول: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦)} [القلم]. ثم إن كلاً من القبضتين ليس فيها إجبار لأصحابهما أن يكونوا من أهل الجنة أو من أهل النار، بل هو حكم من الله تبارك وتعالى عليهم بما سيصدر منهم من إيمان يستلزم الجنة، أو كفر يقتضي النار والعياذ بالله تعالى منها، وكل من الإيمان أو الكفر أمران اختياريان، لا يكره الله تبارك وتعالى أحدا من خلقه على واحد منهما {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: ٢٩]، وهذا مشاهد معلوم بالضرورة، ولولا ذلك لكان الثواب والعقاب عبثا، والله منزه عن ذلك. ومن المؤسف حقا أن نسمع من كثير من الناس حتى من بعض المشايخ التصريح بأن الإنسان مجبور لا إرادة له! وبذلك يلزمون أنفسهم القول بأن الله يجوز له أن يظلم الناس! مع تصريحه تعالى بأنه لا يظلمهم مثقال ذرة، وإعلانه بأنه قادر على الظلم ولكنه نزه نفسه عنه كما في الحديث القدسي المشهور: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي … » (١) إلخ ا. هـ (٢)

المرتبة الرابعة: الخلق:

الأمر الرابع: وهو أن الله خالق كل شيء، فكلُّ شيء مخلوق، والله هو الخالق، خالق كل شيء. كما قال: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢)} [الأنعام].

وقال: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (٢)} [الفرقان].


(١) أخرجه مسلم (٢٥٧٧) من حديث أبي ذر -رضي الله عنه-.
(٢) سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (١/ ١١٥ - ١١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>