للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-فحينئذ المسلم وهو يقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} فهو يسأل ربَّه أن يهديه، وأن يتوب عليه مما أخطأ فيه وقصَّر-. فهذه أمور سبعة نبَّه عليها ابن القيم -رحمه الله- في هذا الباب؛ ليعلم المسلم وهو يقرأ قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} أنه محتاج -واللهِ- إلى تكرار هذا الأمر تكرارًا عظيمًا، وألَّا يتخاذل عن تعلم كتاب الله -جل وعلا-.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: ومن أصغى إلى كلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- بعقله، وتدبَّرَهَ بقلبه، وجد فيه من الفهم، والحلاوة، والبركة، والمنفعة ما لا يجده في شيء من الكلام لا منظومه ولا منثوره ا. هـ (١).

[حال الصحابة مع تدبر القرآن]

ونحن والله نحتاج إلى الإقبال على كتاب الله -جل وعلا- إقبالًا سلفيًّا أثريًّا كما كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعلون؛ فإنهم كانوا يُقبِلون على كتاب الله، ويكتفون بكتاب الله وبسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دون غيرهما.

وإنَّ بعض الناس اليوم قد تدمع عيناه لسماع نشيد، ولا تدمع عيناه لسماع القرآن، وتطرب نفسه لسماع القصائد، ولا تطرب نفسه وتخشع لذكر الله -جل وعلا-.

والمتأمل في حال الصحابة -رضي الله عنهم- يرى في طريقة تلقيهم للعلم: تمام الحرص على العمل بالعلم والانتفاع التام به.

قال جُنْدَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ (٢) فَتَعَلَّمْنَا الإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا». (٣).

فتأمل قوله «فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا».

يتبين لك ما كانوا عليه من العناية بالعمل والعلم معا وأن ذلك قد آتى ثماره بالإيمان الذي وقر في قلوبهم وهذ هو المنهج الصحيح الذي ينبغي أن نسير عليه جميعا في طلبنا للعلم. وفيه من الفائدة البدء بتعلم العقائد قبل الفقه والقرآن.

وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: «كانَ الرجل مِنَّا إذا تعلَّم عَشْر آياتٍ لم يجاوزهُنّ حتى يعرف


(١) اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٢٧٠).
(٢) حزاورة: جمع حَزَوَّر، وهو الغلام إذا اشتد وقوي وحزم.
(٣) صحيح، أخرجه ابن ماجه (٦١) بسند صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>