للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تقدم معنا حديثُ شُعَبِ الإيمانِ وقولُ النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها: «أَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» (١)

فقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا العمل من الإيمان، فدلَّ ذلك على: أنَّ الطاعات -وهي أعمال الجوارح- تدخل في مسمَّى الإيمان، وأنَّ الإخلال والتقصير بأداء الطاعات يضُرُّ بالإيمان.

[زيادة الإيمان ونقصانه]

إذا عرفنا ذلك عرفنا أنَّ الإيمان يزيد وينقص. يزيد بطاعة الله -جل وعلا- وينقص بعصيانه. والناس والمؤمنون يشاهدون ذلك ويرونه من أنفسهم.

وقد أشار -جل وعلا- إلى هذا وبيَّنه في كتابه الكريم، فقال -سبحانه وتعالى-: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: ٤] فالآية صريحة في أنَّ الإيمان يزيد.

وقال -جل وعلا-: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: ٢]

وقال -جل وعلا-: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: ٣١]

إلى غير ذلك من الأدلة التي تدل على زيادة الإيمان.

وكلُّ شيء قَبِلَ الزيادة فهو قابل للنقصان.

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث النهي عن المنكر: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» (٢)

فهناك مؤمن قوي، وهناك مؤمن ضعيف، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وقد جاء في الحديث: «أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» (٣).

فدَلَّ هذا على أن المؤمنين أيضًا يتفاوتون في الإيمان؛ وبعضهم يكون أكمل إيمانًا


(١) تقدم تخريجه في المجلس الأول.
(٢) مسلم (٤٩) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.
(٣) أخرجه أبو داود (٤٦٨٢) والترمذي (١١٩٦) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-. وصححه الألباني في الصحيحة (٢٨٤) وحسنه شيخنا الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (٣٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>