للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ربه -جل وعلا- في قوله: «نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ» ويعني النعيم الحقيقي الذي تنعم به النفس في الدنيا والآخرة. و"النعيم وقرة العين" منه ما هو منقطع، ومنه ما لا ينقطع، فمن قرت عينه بالدنيا، فقرة عينه منقطعة لأن سرورها لا يدوم؛ ولذاتها مشوبة بالفجائع والتنغيص، وسرعة الانقضاء والمفارقة بالموت، وقد روي عن أمير المؤمنين عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- أنه قَالَ: «مَا تَرَكَ الْمَوْتُ لِذِي لُبٍّ قُرَّةَ عَيْنٍ» (١) وروى ابن أبي الدنيا عن عبد الله بن طلحة بن محمد التيمي قال سمعت سعيد بن السائب الطائفي يقول: -ونحن في جنازة-: «والله ما ترك الموت للنفس سرورا في أهل ولا ولد والله لقد نقص الموت على المؤمنين الموسع لهم من هذه الدنيا حتى ضيق ذلك عليهم فرفضوه مسرورين برفضه» قال ثم سبقته دمعته فقام. (٢) وقال مطرف: «أَفْسَدَ الْمَوْتُ عَلَى أَهْلِ النَّعِيمِ نَعِيمَهُمْ فَاطْلُبُوا نَعِيمًا لَا مَوْتَ فِيهِ» (٣). فلا تقر عين المؤمن في الدُّنْيَا إلا بالله -عز وجل-، وذكره ومحبته والأنس به، ومن قرت عينه باللَّه، فقد حصلت له قرة العين التي لا تنقطع في الدُّنْيَا ولا في البرزخ ولا في الآخرة، وقرت به عيون المؤمنين.

[سؤال الله الرضا بعد القضاء]

ثم يقول: «وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ» وهذا من أدعية الإيمان بالقضاء والقدر وسأل الرضا بعد القضاء؛ لأنه حينئذ تبين حقيقة الرضا. وقد ذكر الحافظ البيهقي -رحمه الله- في هذه الجملة من الدعاء جملة من الآثار المتعلقة بالرضا وما هو الرضا وما تفسيره، ونورد ما تيسَّر من ذلك. فمنها: ما رواه عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أنه قال: «ذِرْوَةُ الْإِيمَانِ الصَّبْرُ لِلْحُكْمِ، وَالرِّضَى بِالْقَدَرِ، وَالْإِخْلَاصُ فِي التَّوَكُّلِ، وَالِاسْتِسْلَامُ لِلرَّبِّ -عز وجل-» (٤). ونقل أيضًا (٥)


(١) أخرجه البلاذري في «أنساب الأشراف» (١٠/ ٣٣٣) عن محمد بن سيرين أن عمر فذكره. وفيه انقطاع.
(٢) القبور لابن أبي الدنيا (١٠)
(٣) «الزهد لأحمد بن حنبل» (ص ١٩٣)
(٤) أخرجه ابن المبارك (٢/ ٣١)، - ومن طريقه ابن أبي الدنيا في الرضا عن الله بقضائه (٥٨) -، ونعيم بن حماد في الزيادات على الزهد أيضا، وأبو نعيم في الحلية (١/ ٢١٦) واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (١٢٣٨)، والبيهقي في شعب الإيمان (١٩٨) وهو من رواية يزيد بن مرثد عن أبي الدرداء وقال أبو حاتم والمزي: مرسل. أي منقطع بين يزيد وأبي الدرداء.
(٥) شعب الإيمان (١/ ٣٧٠) رقم (١٩٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>