للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: وهَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، فَيُذْبَحُ ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ». ثم قرأ رسول الله {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٩)} [مريم] (١)

[المشرك والكافر لا تنفعه حسناته التي عملها في الدنيا يوم القيامة]

قال الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (٢٣)} [الفرقان]. وجاء في صحيح الإمام مسلم، من حديث عائشة -رضي الله عنها-، أنَّها سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن رجل من قرابتها يُدعى عبد الله بن جُدْعَانَ، فأثنت عليه، وقالت -رضي الله عنها-: يا رسول الله، إنَّ عبدَ الله بن جُدْعَانَ كان يقري الضيف، ويطعم المسكين، ويفعل ويفعل، أينفعه ذلك عند الله؟! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ؛ إِنَّهُ مَا قَالَ يَومًا قَطُّ: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَومَ الدِّيْنِ» (٢). هذا الرجل أدركه الإسلام فلم يسلم، وكان على خلال من الخير والفضل، فقد كان يطعم المسكين، ويذبح الذبائح للفقراء والمحتاجين، وكان يقري الضيف، ويطعم الطعام، وينصر المظلوم، ويؤدي الأمانة، ويصدق في الحديث، ويحسن الجوار، ويفعل ويفعل، لكنه لَمْ يكن مُصَدِّقًا بالبعث، ومَن لَمْ يُصَدِّق به كافرٌ، والكافر لا ينفعه أيُّ عمل من أعمال البرّ؛ لإحباطه بكفره (٣).

وفي مسند أبي يعلى أنَّها -رضي الله عنها- أثنت عليه خيرًا، فقالت: كَانَ يَنْحَرُ الْكَوْمَاءَ (٤)، وَيُكْرِمُ الْجَارَ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَيُوفِي بِالذِّمَّةِ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَفُكُّ الْعَانِي، وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَيُؤَدِّي الْأَمَانَةَ. فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: «هَلْ قَالَ يَوْمًا وَاحِدًا: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ؟» قالت: لا، وَمَا كَانَ يَدْرِي مَا جَهَنَّمُ! فقال -صلى الله عليه وسلم-: «فَلَا إِذًا» (٥)


(١) تقدم (ص: ٤١٤)
(٢) صحيح مسلم (٢١٤)
(٣) انظر: البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (٥/ ٤٧٦).
(٤) الكوماء هو: البعير الضخم السنام
(٥) مسند أبي يعلى (٤٨٧٠) ورواه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٢٧٤٦، ٤٣٥٩) وسنده صحيح

<<  <  ج: ص:  >  >>