للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عمل الجوارح]

ثم ننتقل إلى الأمر الثالث، وهو عمل بالجوارح والأركان. فمن أركان الإيمان أيضًا أنَّ العمل من الإيمان. فأعمال الجوارح داخلة في مسمى الإيمان، ومن أدلة ذلك -والأدلة كثيرة-: قولُ الله -سبحانه وتعالى-: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: ١٤٣]

قال العلماء: معنى الإيمان في هذه الآية: الصلاة؛ فالمعنى: وما كان الله ليضيع صلاتكم. وسبب نزول هذه الآية كما في سنن أبي داود وغيره عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، قَالَ: «لَمَّا تَوَجَّهَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْكَعْبَةِ» قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَكَيْفَ الَّذِينَ مَاتُوا، وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (١) يعني: صلاتكم.

قال الإمام الحليمي -رحمه الله-: «أجمع المفسرون على أنه أراد صلاتكم إلى بيت المقدس؛ فثبت أن الصلاة إيمان، وإذا ثبت ذلك، فكلُّ طاعة إيمان؛ إذ لم أعلم فارقًا فرَّق في هذه التسمية بين الصلاة وسائر الطاعات» (٢).

والعلماء يؤكدون على هذا المعنى جدًّا. أتدرون لماذا؟

لأنه ظهر في القرن الأول بدعة الإرجاء، وهذه البدعة التي ظهرت في زمن التابعين وذهب أهلها مذاهب شتى، يجمعهم أنهم يقولون أنَّ العمل ليس من الإيمان، وأنه يكفي أن تقول: «لا إله إلا الله» فتكون مؤمنًا كامل الإيمان.

ومن مقالاتهم: أن الإيمان لا يتفاضل فلا يزيد ولا ينقص.

فحينها اعتنى علماء أهل السنة ببيان الحق في هذه المسألة ورعايته، وتعلمه، وتفهمه للردِّ على كلِّ من يرى أو يعتقد أنه لا حاجة إلى العمل.

إن الله -جل وعلا- يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: ٢ - ٤]


(١) سنن أبي داود (٤٦٨٠). جامع الترمذي (٣٢٠٢)
(٢) المنهاج في شعب الإيمان، (١/ ٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>