للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سؤال الله تعالى برد العيش بعد الموت]

ونرجع إلى حديث عمار بن ياسر -رضي الله عنهما-، يقول في الدعاء: «وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ»، وهذا يدل على أن العيش وطيبه وبرده إنما يكون بعد الموت، أما هذه الدنيا فيكفي أن من منغصاتها أنها مختومة بالموت وأن الإنسان موعود فيها بالموت. فلا عيش يطيب إلا بعد الموت، وهو عيش من أمن من عذاب الله -عز وجل-، ووصل إِلَى ثوابه، فكذلك سأل برد العيش بعده، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول -لما حفر الخندق، وجهد هو وأصحابه في حفره-:

اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة … فاغفر للأنصار والمهاجرة (١)

[سؤال الله تعالى لذة النظر إلى وجه الله تعالى]

ثم يقول: «وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ» وهذا من الأدعية العظيمة المؤنسة للعبد؛ وهو من أدلة أهل السنة في إثبات النظر إلى الله يوم القيامة مثل قول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)} [القيامة] وَقَالَ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: ٢٦] وَقَالَ تَعَالَى فِي شَأْنِ الْكُفَّارِ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)} [المطففين] أي عن رؤيته يوم القيامة. وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَحَادِيثُ بِمَعْنَى مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَاتُ رَوَاهَا أَئِمَّةُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ فِي دَوَاوِينِ الْإِسْلَامِ عَنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَأَجِلَّائِهِمْ؛ ومنها حديث الباب، وكذا ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ صُهَيْبٍ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ -عز وجل-» ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: ٢٦] (٢).

قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: «هذان الأمران هما سعادة الدُّنْيَا والآخرة، وأعظم


(١) أخرجه البخاري (٦٤١٤) ومسلم (١٨٠٤) من حديث سهل بن سعد -رضي الله عنهما-. وفي الباب عن أنس -رضي الله عنه- وغيره.
(٢) صحيح مسلم (١٨١)

<<  <  ج: ص:  >  >>