للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* ثم إن الكرامات ينالها عبادُ الله الصالحون بأفعالهم كعبادتهم، ودعائهم، وتضرعهم إلى الله سبحانه. أما آيات الأنبياء فلا تحصل بشيء من ذلك؛ فإنَّ النبوة اصطفاءٌ واختيارٌ مِنْ الله وليست كسبًا، وإنما يصطفي بها اللهُ -جل وعلا- مَنْ شاء مِنْ عباده، فكلُّ الأنبياء قد اختارهم الله وفضَّلهم على العالمين، وسنتحدث عن ذلك-إن شاء الله-في تفضيل الأنبياء.

[الأحوال الشيطانية]

أما ما يتعلق بالفرق بين الكرامات والآيات والمعجزات من جهة وبين ما هو من الأحوال الشيطانية؛ إذ إنَّ هناك أمورًا شيطانية يستغِلُّها بعض السحرة والكُهَّان، فيُظهِرونها للناس، ويدَّعُون بذلك أنهم من أولياء الله الصالحين، فينبغي أوَّلًا أن نعرف:

من هو الوليُّ؟

والجواب: أنَّ الولي قد جاء تعريفه في كتاب الله يقول ربُّنا -جل وعلا-: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)} [يونس] فالآية واضحة الدلالة. يقول ابن كثير: يخبر-تعالى-أنَّ أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتَّقون. فكلُّ من كان تقيًّا كان لله وليًّا (١). فالولاية -إذًا- لها ركنان: الإيمان والتقوى. قال الشوكاني -رحمه الله-: والمراد بأولياء الله خُلَّص المؤمنين كأنهم قَرُبوا من الله -سبحانه- بطاعته واجتناب معصيته، وقد فسَّر سبحانه هؤلاء الأولياءَ بقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (٦٣)} [يونس] (٢).

قال العلماء: وأولياء الله: منهم السابقون المقرَّبون، ومنهم أصحاب يمينٍ مقتصدون، ذَكَرَهم الله في مواضع من كتابه، منها قوله تعالى: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (٩) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١)} [الواقعة]. فالمؤمن الذي آمن واتقى بفعل ما أمر الله واجتناب ما نهى الله -جل وعلا- عنه، فهذا هو المقتصد. ثم من زاد على ذلك بفعل النوافل والتقرُّب إلى الله -جل وعلا- حتى بلغ أعلى من ذلك، فهو من المقربين السابقين {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨)


(١) تفسير ابن كثير (٤/ ٢٧٨).
(٢) فتح القدير (٢/ ٥١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>