للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو مقدمة، يظهر على عبدٍ ظاهرِ الصلاح، ملتزمٍ بمتابعة نبيٍّ كُلِّف بشريعته (وهذا القيد يَخرُج به ما يقع للسحرة والمشعوذين وغيرهم؛ فمِن علامات الكرامة صلاحُ صاحبِها بأن يكون على خير وعلى صلاة وعلى هدى) ثم قال: مصحوب بصحيح الاعتقاد والعمل الصالح، عَلِمَ بها ذلك العبدُ الصالح أو لم يعلم (١).

وفي هذا إشارة إلى أنَّ الكرامة لا يشترط فيها أن يطلبها الولي، ولا يشترط أن يعلم بها، فربما عَلِمَ بها وربما لم يَعْلَم كما حصل لأصحاب الكهف؛ فإنهم ناموا كما قال تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (٢٥)} [الكهف] ناموا ثلاثمائة وتسع سنين ولم يكونوا يعلمون ما وقع لهم.

ويقول العلامة حافظ الحكمي -رحمه الله- في تعريف الكرامة وتمييزها عن المعجزة: ظهور الأمر الخارق على أيديهم الذي لا صُنْعَ لهم فيه، ولم يكن بطريق التحدي، بل يُجريه اللهُ على أيديهم، وإن لم يعلموا به كقصة أصحاب الكهف … (٢).

وقد نبَّهْنا من قبلُ أنَّ العلماء قديمًا كانوا يجمعون في التعريف بين المعجزة والكرامة في سياق واحد، لكنَّ هذا التفريق فيه تمييز، وقد جرى عليه كثيرٌ من المتأخرين.

• ومما ذكره العلماء في التفريق بينهما أنَّ الآثار المترتِّبة على الآيات والمعجزات كبيرةٌ جدًّا، فمن أهمها إقامةُ الحجة على نبوة من أيَّده الله بها، فمن كذَّب بعد رؤية الآية فإنَّ الله يهلكه كما قال تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} [الإسراء: ٥٩]. يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسير الآية: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ} أي: نبعث الآيات، ونأتي بها على ما سأل قومك منك، فإنه سَهْلٌ علينا، يسيرٌ لدينا، {إِلَّا} أنه قد {كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} بعد أن سألونا، وجَرَت سنَّتُنا فيهم وفي أمثالهم أنهم لا يُؤخَّرُون إن كذَّبوا بها بعد نزولها (٣).

هذا ما يترتَّب على نزول الآية على النبي. وأما الكرامة فلا تصل إلى شيء من هذا بلا شكٍّ كما هو معلوم.


(١) لوامع الأنوار البهية (٢/ ٣٩٢).
(٢) أعلام السنة المنشورة (ص: ١٣٧).
(٣) تفسير ابن كثير (٥/ ٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>