للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آدَمَ فَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي أَنْ يَفْصِلَ اللَّهُ -عز وجل- بَيْنَ النَّاسِ؟ لِيَسْتَرِيحُوا مِنْ مَقَامِهِمْ ذَلِكَ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ سِيَاقَاتُهُ مِنْ سَائِرِ طُرُقِهِ، فَإِذَا وَصَلُوا إِلَى الْمَحَزِّ إِنَّمَا يَذْكُرُونَ الشَّفَاعَةَ فِي عُصَاةِ الْأُمَّةِ وَإِخْرَاجِهِمْ مِنَ النَّارِ، وَكَأَنَّ مَقْصُودَ السَّلَفِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ مِنَ الْحَدِيثِ هُوَ الرَّدُّ عَلَى الْخَوَارِجِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، الَّذِينَ يُنْكِرُونَ خُرُوجَ أَحَدٍ مِنَ النَّارِ بَعْدَ دُخُولِهَا، فَيَذْكُرُونَ هَذَا الْقَدْرَ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ النَّصُّ الصَّرِيحُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنَ الْبِدْعَةِ الْمُخَالِفَةِ لِلْأَحَادِيثِ. ا. هـ (١)

-ثم ذكر حديث ابن عمر المتقدم-.

[الشفاعة العظمى يوم القيامة هي المقام المحمود]

والشفاعة العظمى هي المقام المحمود الذي وعده الله -عز وجل- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- كما قال تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (٧٩)} [الإسراء]. فالناس إذا ضاق بهم الموقف، وطال المقام، واشتدَّ القلق، وألجمهم العرقُ التمسوا الشفاعة في أنْ يفصل اللهُ بينهم، فيأتون آدمَ فنوحًا ثم إبراهيمَ ثم موسى ثم عيسى، وكلُّهم يقول: نفسي نفسي، وهم من أشدِّ الأنبياء قربًا إلى الله، وأعظم الناس جاهًا ومنزلة عند الله -جل وعلا- حتى ينتهوا إلى نبينا محمد، فيقول: «أَنَا لَهَا» (٢) فيشفع -صلى الله عليه وسلم- عند الله سبحانه في أهل الموقف أن يعجل الله -عز وجل- لحسابهم. وقد تقدم حديث ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، أنَّهُ قَالَ: « … فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللَّهُ المَقَامَ المَحْمُودَ» (٣)

وروى مسلم عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: ضَرَبَ فِي صَدْرِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَفِضْتُ عَرَقًا وَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى اللهِ -عز وجل- فَرَقًا، فَقَالَ لِي: «يَا أُبَيُّ أُرْسِلَ إِلَيَّ أَنِ اقْرَإِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي، فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّانِيَةَ اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفَيْنِ، فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي، فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّالِثَةَ اقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَلَكَ بِكُلِّ رَدَّةٍ رَدَدْتُكَهَا مَسْأَلَةٌ تَسْأَلُنِيهَا، فَقُلْتُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي، اللهُمَّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي، وَأَخَّرْتُ الثَّالِثَةَ لِيَوْمٍ يَرْغَبُ إِلَيَّ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ،


(١) البداية والنهاية ط هجر (١٩/ ٤١٩).
(٢) أخرجه البخاري (٧٥١٠)، ومسلم (١٩٣) من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-.
(٣) تقدم

<<  <  ج: ص:  >  >>