للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النفخة الأولى يتبعها فناء من في السماوات والأرض]

وبعد النفخة الأولى يكون فناء من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله.

قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨)} [الزمر]

وفي قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} بيان أن هناك من استُثنِي مما يقع له من هذه النفخة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:

"وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فَهُوَ مُتَنَاوِلٌ لِمَنْ فِي الْجَنَّةِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَيْسَ فِيهَا مَوْتٌ وَمُتَنَاوِلٌ لِغَيْرِهِمْ وَلَا يُمْكِنُ الْجَزْمُ بِكُلِّ مَنْ اسْتَثْنَاهُ اللَّهُ فَإِنَّ اللَّهَ أَطْلَقَ فِي كِتَابِهِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَأَجِدُ مُوسَى آخِذًا بِسَاقِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي هَلْ أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ كَانَ مِمَّنْ اسْتَثْنَاهُ اللَّهُ» (١) … فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَجْزِمْ بِكُلِّ مَنْ اسْتَثْنَاهُ اللَّهُ لَمْ يُمْكِنَّا أَنْ نَجْزِمَ بِذَلِكَ وَصَارَ هَذَا مِثْلُ الْعِلْمِ بِقُرْبِ السَّاعَةِ وَأَعْيَانِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ وَهَذَا الْعِلْمُ لَا يُنَالُ إلَّا بِالْخَبَرِ … ا. هـ (٢)

[النفخة الثانية نفخة الإحياء والحشر]

أما النفخة الثانية فيكون على إثرها قيامُ الناس من القبور. كما قال الله تعالى:

{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١)} [يس: ٥١].

وقال تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨)} [الزمر: ٦٨]

فيترتب على النفخة الثانية قيامُ الناس من قبورهم.

ويقول ربنا أيضا: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤)} [النازعات]


(١) رواه البخاري (٢٤١١، ٣٤١٤) ومسلم (٢٣٧٣) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(٢) مجموع الفتاوى (١٦/ ٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>