للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«لِيَتَّبِعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ»، فيذهبُ أصحابُ الصليب مع صليبهم، وأصحابُ الأوثان مع أوثانهم، وأصحابُ كل آلهة مع آلهتهم، فيتساقطون في نار جهنم. -نعوذ بالله-

[مآل المنافقين]

ويبقى المؤمنون ومن كان يتظاهر بالإيمان أيضًا من المنافقين، فيميز الله -عز وجل- أيضًا في هذه الأمة بين المؤمن الصادق الذي عَبَدَ الله سبحانه خالصًا وبين المنافق الذي كان يصلي ويصوم ويحج ويتصدق وهو مع المؤمنين ظاهرا لكنه لم يكن عمله لله -جل وعلا- خالصًا. يقول جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- وقد سئل عن الورود- قال: «نَجِيءُ نَحْنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ كَذَا وَكَذَا انْظُرْ أَيْ ذَلِكَ فَوْقَ النَّاسِ، فَتُدْعَى الأُمَمُ بِأَوْثَانِهَا وَمَا كَانَتْ تَعْبُدُ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ ثُمَّ يَأْتِينَا رَبُّنَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ مَنْ تَنْظُرُونَ؟ -أي: من تنتظرون؟ - فَيَقُولُونَ: نَنْظُرُ رَبَّنَا. فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: حَتَّى نَنْظُرَ إِلَيْكَ. فَيَتَجَلَّى لَهُمْ يَضْحَكُ -قَالَ- فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ وَيَتَّبِعُونَهُ وَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ -مُنَافِقٍ أَوْ مُؤْمِنٍ- نُورًا ثُمَّ يَتَّبِعُونَهُ وَعَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ وَحَسَكٌ تَأْخُذُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يَطْفَأُ نُورُ الْمُنَافِقِينَ ثُمَّ يَنْجُو الْمُؤْمِنُونَ فَتَنْجُو أَوَّلُ زُمْرَةٍ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ سَبْعُونَ أَلْفًا لَا يُحَاسَبُونَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَأَضْوَإ نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ ثُمَّ كَذَلِكَ ثُمَّ تَحِلُّ الشَّفَاعَةُ وَيَشْفَعُونَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً … » إلى آخر الحديث (١). -والحديث له حكم الرفع-. وهكذا فإنَّ نور المنافق ينطفئ يوم القيامة، وقد ذكر الله -عز وجل- هذا النور في كتابه في سورة الحديد وفي سورة التحريم: يقول الله -جل وعلا-: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١١) يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢)} [الحديد]. قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: "يقول تعالى مخبرًا عن المؤمنين المتصدقين: أنهم يوم القيامة يسعى نورهم بين أيديهم في عرصات القيامة، بحسب أعمالهم، كما قال عبد الله بن مسعود في قوله: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [الحديد: ١٢] قال: على قدر أعمالهم يمرون على الصراط، منهم من نوره مثل الجبل، ومنهم من نوره مثل النخلة،


(١) أخرجه مسلم (٤٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>