للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العَمَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَ أَمْرٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ؟ فَقَالَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، فَإِنَّ صَاحِبَ الجَنَّةِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ، وَإِنَّ صَاحِبَ النَّارِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدَيْهِ فَنَبَذَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: «فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنَ العِبَادِ فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ» (١)

[العمل بالأسباب لا يتنافى مع القدر]

يقول العلامة الشيخ ابن سعدي -رحمه الله-: "يظُنُّ كثيرٌ من الناس أنَّ إثبات الأسباب ينافي الإيمان بالقضاء والقدر، وهذا غلط فاحش جدًّا، وهو عائد على القدر بالإبطال، وهو إبطالٌ أيضًا للحكمة" (٢). يعني الذين يقولون بأنه لا عمل، ولو أراد الله هدايتي لهداني، وأنا لن أعمل شيئًا فالله إذا قدَّر عليَّ شيئًا فسيكون. فهذا القول ونحوه: يُبطِل الحكمة من خَلْقِ الخلق ومِن أمر الله -عز وجل- بالعمل والسعي والجد والاجتهاد، وفيه طَعْنٌ في القضاء والقدر، والعجيبُ أن هؤلاء تجدهم يقولون هذا الكلام الفاحش في باب الطاعة والعمل بالخير والإحسان لكنهم في باب الدنيا لا يفعلون ذلك، ولو فعلوه وقاله بعضهم لعدُّوه من المجانين.

يقول العلامة ابن سعدي أيضًا في تمام كلامه: وكأنَّ هذا الظانَّ يقول ويعتقد أن الإيمان بالقدر هو اعتقاد وقوع الأشياء بدون أسبابها الشرعية والقدرية -يعني: وهذا ظنٌّ باطل-؛ فالإيمان بالقضاء والقدر ينتظم مع العمل بالأسباب، فمن الإيمان بالقضاء والقدر الإيمانُ بأن الأشياء لا تحصل إلا بأسباب قدَّرها الله -عز وجل- وشَرَعَها؛ ولذلك فإيجاد الحبوب والثمار والزروع من دون حرث وسقي لا يكون، وكذلك إيجاد الأولاد والنسل من دون نكاح لا يكون، ودخولُ الجنة من دون الإيمان وعمل صالح ودخولُ النار من دون كفر ومعصية هذا كله ظنٌّ باطلٌ وظنٌّ فاسدٌ (٣).

إذًا لا بُدَّ أن يعلم الإنسان أنه لا ينال الشيء إلا بسبب، وهذا السبب هو من قَدَرِ


(١) أخرجه الترمذي (٢١٤١) وقال: وهذا حديث حسن صحيح غريب ا. هـ وصححه العلامة الألباني في الصحيحة (٨٤٨)، وصححه شيخنا الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (١/ ٣٥٦)
(٢) الرياض الناظرة (ص: ١٣٥).
(٣) المرجع السابق (ص: ١٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>