للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد دخلت عائشة -رضي الله عنها- على أبيها أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في مرض موته، فلما ثقل عليه تمثلت بقول حاتم الطائي:

لَعَمْرُكَ ما يُغني الثراءُ عَنِ الفتى إذا حَشْرَجَتْ يومًا وضاقَ بها الصَّدْرُ

فسمعها الصديق -رضي الله عنه- فكشف عن وجهه، وقال: ليس كذلك يا بنية، ولكن قولي: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩)} [ق: ١٩] (١).

[قال رب ارجعون]

ويعاين الإنسانُ في تلك اللحظات ما كان يخفى عليه من قبل، فيشاهد أمورًا كان يحيد عنها، وفي ذلك الوقت يتمنى المفرِّطُون العودةَ لتدارك ما فاتهم. ولكن أينفع ذلك؟! أيجابون إلى ذلك؟! يقول ربنا -مبينا حقيقة الحال-: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠)} [المؤمنون]

فيخبر الله -جل وعلا- أنَّ تلك الساعة يعاين فيها الناس الحقيقة، فيتمنَّوْنَ العودة، ليعملوا عملًا صالحًا؛ ولهذا يقول ربنا في آية أخرى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ


(١) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ط دار صادر (٣/ ١٩٥) واللفظ له، والبلاذري في أنساب الأشراف (١٠/ ٨٥) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ عن عائشة. ورواه أحمد في الزهد (٥٦٣) عن عبد الله اليمني، -كذا والظاهر أنه تصحيف- مَوْلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- تَمَثَّلَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- بِهَذَا الْبَيْتِ (مِنْ قَوْلِ حَاتِمٍ) … فذكره ورواه ابن أبي الدنيا في المحتضرين (٣٦) - ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه (٣٠/ ٤٢٦) - عَنِ الْبَهِيِّ قَالَ: " لَمَّا احْتُضِرَ أَبُو بَكْرٍ، جَاءَتْ عَائِشَةُ … فذكر الحديث مرسلا. والأول أرجح. فقد رواه كذلك جماعة منهم: عبد الله بن نمير ويعلى بن عبيد ووكيع كما عند ابن سعد ومن طريق وكيع رواه البلاذري كلهم عن إسماعيل بن أبي خالد عن البهي عنها به. وخالفهم يزيد بن هارون عند أحمد وأبو شهاب الحناط عن إسماعيل. وهو صدوق يهم كما في التقريب. وأعل بعدم سماع البهي من عائشة. كما هو قول الدارقطني ومن قبله ابن مهدي. وصحح البخاري سماعه منها وخرج مسلم له عنها في صحيحه. وللأثر طرق أخرى انظرها عند ابن سعد في الطبقات الكبرى (٣/ ١٩٦ - ١٩٧) والمحتضرين لابن أبي الدنيا (٣٨)، والعلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله (٥٠٥٩)، وتفسير الطبري ط هجر (٢١/ ٤٢٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>