للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأنبياء معصومون من الكذب]

كذلك عصمهم الله -جل وعلا- من الكذب في غير الوحي والتبليغ فيما يبلغون عن الله، وعصمهم في حديث الدنيا كما ذكرنا، فهم معصومون من الكبائر، تقول أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- وهي تصف النبي -صلى الله عليه وسلم- حين نزل عليه الوحي وخاف على نفسه: «فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ» (١). فهذه صفاته وهذه خصاله قبل بعثته -صلى الله عليه وسلم-؛ ولهذا لما وقف في أول بعثته -عليه الصلاة والسلام- إذ قيل له: {قُمْ فَأَنْذِرْ (٢)} [المدثر] صَعِدَ الصَّفَا، فَهَتَفَ: «يَا صَبَاحَاهْ» فقالوا: من هذا الذي يَهْتِفُ؟ قالوا: محمد. فاجتمعوا إليه، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: «يَا بَني فُلَانٍ يَا بَني فُلَانٍ يَا بَني فُلَانٍ يَا بَني عَبْدِ مَنَافٍ يَا بَني عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» فاجتمعوا إليه، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟». قَالُوا: ما جرَّبنا عليك كذبًا. قَالَ: «فَإِنّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَي عَذَابٍ شَدِيدٍ» (٢) وفي رواية قالوا: ما جرَّبنا عليك إلا صدقًا (٣). فهذه شهادة منهم لنبيِّنا -صلى الله عليه وسلم- أنطقهم الله بها بما يعلمون من حاله وخصاله. بل كان يوصف بالأمين والصادق قبل بعثته -صلى الله عليه وسلم-، «فَإِنَّ قُرَيْشًا اخْتَلَفُوا فِي الْحَجَرِ حِينَ أَرَادُوا أَنْ يَضَعُوهُ حَتَّى كَادَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ بِالسُّيُوفِ، فَقَالوا: اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ أَوَّلَ رَجُلٍ يَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا: هَذَا الْأَمِينُ، وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْأَمِينَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ رَضِينَا بِكَ، فَدَعَا بِثَوْبٍ فَبَسَطَهُ وَوَضَعَ الْحَجَرَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ لِهَذَا الْبَطْنِ، وَلِهَذَا الْبَطْنِ - لِجَمِيعِ الْبُطُونِ مِنْ قُرَيْشٍ-: لِيَأْخُذْ كُلُّ بَطْنٍ مِنْكُمْ بِنَاحِيَةٍ مِنَ الثَّوْبِ، فَفَعَلُوا، ثُمَّ رَفَعُوهُ، وَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَوَضَعَهُ بِيَدِهِ» (٤) وفي حديث أبي سفيان -رضي الله عنه- مع هِرَقْل بعد أن


(١) صحيح البخاري (٤٩٥٣)، ومسلم (١٦٠) عن عائشة -رضي الله عنها-.
(٢) صحيح البخاري (٤٩٧١)، ومسلم (٢٠٨) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
(٣) عند البخاري (٤٧٧٠).
(٤) حسن صحيح، رواه أحمد في المسند (١٥٥٠٤)، وابن أبي خيثمة في التاريخ مختصرا ومطولا (١٦٧، ٤٩٧، ٥٠٣، ١٢٠٣)، والحاكم (١٦٨٣) وصححه والسياق له وأبو نعيم في الدلائل (١١٣) واختلف في اسم صحابيه فقيل عن السائب المخزومي -رضي الله عنه-. وقيل عبد الله بن السائب وقيل غير ذلك. وحسنه الألباني في صحيح السيرة (٤٥) وله شاهد عند الطيالسي (١١٥) وابن أبي شيبة (٢٩٠٨٤) والحاكم (١٦٨٤) وصححه والبيهقي (٩٢٠٨) وغيرهم من حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وإسناده حسن في الشواهد.

<<  <  ج: ص:  >  >>