للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التحلُّل من أصحاب المظالم في الدنيا:

وقد نصح نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- لهذه الأمة، وبين لنا المخرج من هذه المظالم. كما في صحيح الإمام البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ» (١).

لا يتقاضى الناس بالدراهم والدنانير يوم القيامة، ولو كان تقاضيهم بهذه الأموال لكان الأمر هيِّنًا، ولكنها الحسنات والسيئات، فهذه الحسنات التي عملتها في الدنيا وتعبت عليها وقبلها الله -عز وجل- منك وسررت بها يأخذها أناس يوم القيامة مقابل مظلمتهم، فكيف ستكون الحسرة عند الإنسان يوم القيامة؟!

وجاء عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دِينَارٌ أَوْ دِرْهَمٌ قُضِيَ مِنْ حَسَنَاتِهِ، لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ» يعني يوم القيامة. وفي رواية: « … وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَلَيْسَ بِالدِّينَارِ وَلَا بِالدِّرْهَمِ، وَلَكِنَّهَا الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ … » (٢)

إنها المظالم التي تُقتَصُّ من أصحابها في ذلك اليوم!! نسأل الله العفو والعافية.

وروي عن عائشة -رضي الله عنها-: أَنَّ رَجُلًا قَعَدَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي مَمْلُوكِينَ يكذبونني وَيَخُونُونَنِي وَيَعْصُونَنِي، وَأَشْتُمُهُمْ وَأَضْرِبُهُمْ فَكَيْفَ أَنَا مِنْهُمْ؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يُحْسَبُ مَا خَانُوكَ وَعَصَوْكَ وَكَذَّبُوكَ وَعِقَابُكَ إِيَّاهُمْ، فَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ كَانَ كَفَافًا، لَا لَكَ وَلَا عَلَيْكَ، وَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ دُونَ ذُنُوبِهِمْ كَانَ فَضْلًا لَكَ، وَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ فَوْقَ ذُنُوبِهِمْ اقْتُصَّ لَهُمْ مِنْكَ الفَضْلُ» فَتَنَحَّى الرَّجُلُ فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَهْتِفُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَمَا تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى


(١) أخرجه البخاري (٢٤٤٩)
(٢) أخرجه ابن ماجه (٢٤١٤) وهو في صحيح الترغيب والترهيب (١٨٠٣) والرواية الثانية رواها أحمد (٥٣٨٥) والحاكم (٢٢٢٢) ووقع عنده (بن عمرو) وهو خطأ. ورجح الأئمة الوقف في الحديث. انظر: علل الدارقطني (٢٩٩٢) المسند المصنف المعلل (١٥/ ٤٢٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>