للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«المُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِصَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ وَزَكَاتِهِ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا فَيَقْعُدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصّ مَا عَلَيْهِ مِنَ الخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» (١).

تأملوا سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- للصحابة، -فلم يسألهم إلا ليعلمهم ويخبرهم، وفيه تعليم للأمة كلها- «أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ»؟ فأجابوا بهذا الجواب الذي هو معروف، وفيه بيانٌ للمفلس في حقيقة حال الناس في الدنيا، وهو من لا درهم عنده ولا متاع. ثم بين النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أنَّ الْمُفْلِسَ» على الحقيقة من يأتي وقد صلَّى وقَبِلَ الله صلاتَه وزَكَّى وقَبِلَ اللهُ زكاته وصام وقَبِلَ اللهُ صيامه وعنده حج وذكر وطاعة، لكن: «وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا» -فمع أنه مُصَلٍّ وصائم وقائم ومن أهل التوحيد، لكنه جاء بهذه المظالم التي مات ولم يتحلَّلْ منها ولم يتب إلى الله -عز وجل- منها فماذا يُصنَع به؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: «فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ». نسأل الله السلامة والعافية. وهذه-واللهِ-من أعظم الحسرات.

من الذي يَأخُذُ حسناته؟ ربما مَنْ كان يبغضه في الدنيا، أو مَنْ كان لا يأبه به واستضعفه، فلم يكن له وزنٌ عنده في الدنيا، فيأتي يوم القيامة، فيأخذ حقَّه من صاحبه، ولو كان أفقرَ الناس في الدنيا، ولو كان وضيعًا في نسبه أو حسبه أو غير ذلك في الدنيا، لكنه يأتي يوم القيامة، فيقول: يا رب خذ لي حقي من فلان، ولو كان فلانٌ هذا ملكًا أو رئيسًا أو وجيهًا أو مديرًا أو ذا مال أو جاهٍ في دنياه؛ فإنَّ كل ذلك يسقط يوم القيامة، ويقف الناس أجمعون بين يدي الله سواسية لا فرق إلا بالتقوى فينتصف للمظلوم من ظالمه.


(١) أخرجه مسلم (٢٥٨١) والترمذي (٢٤١٨) واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>