للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا يدل على أن الملائكة منظَّمون في عبادتهم لربهم -جل وعلا-.

[عصمة الملائكة]

وأخبرنا ربنا -جل وعلا- عن شأن الملائكة وأنهم عباد معصومون. قال الله -سبحانه- في وصف الملائكة الذين هم على النار: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ} ثم قال في وصفهم: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٦)} [التحريم] وقال -جل وعلا-: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩)} [الأنبياء]. فتأمل قوله تعالى: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} يدُلُّك على أنهم لا يعصون ربهم -جل وعلا- وأنهم مستجيبون لأمر الله.

قال القاضي عياض -رحمه الله-: أجمع الْمُسْلِمُون عَلَى أَنّ الْمَلَائِكَة مؤمنون فضلاء واتفق أئِمَّة الْمُسْلِمِين أَنّ حُكْم المُرْسَلِين مِنْهُم حُكْم النَّبِيّين سواء فِي العِصْمَة مِمَّا ذَكَرْنَا عِصْمتَهُم مِنْه وَأَنَّهُمْ فِي حُقُوق الْأَنْبِيَاء والتَّبْلِيغ إِلَيْهِم كالْأَنْبِيَاء مَع الْأُمَم واختلفوا فِي غَيْر الْمُرْسَلِين مِنْهُم فذهبت طائفة إِلَى عصمة جميعهم عَنْ المعاصي … ، وذهبت طائفة إن أَنّ هَذَا خُصُوص لِلْمُرْسَلِين مِنْهُم وَالمُقَرَّبِين، واحْتَجُّوا بأشْيَاء ذَكَرَهَا أهْل الْأَخْبَار والتَّفَاسِير … والصواب عصمة جميعهم وتنزيه نصابهم الرفيع عَنْ جميع مَا يحط من رتبتهم ومنزلتهم عَنْ جليل مقدارهم … فمما احْتَجّ بِه من لَم يُوجِب عصمة جميعهم قِصَّة هاروت وماروت وَمَا ذَكَر فيها أهل الْأَخْبَار ونَقَلَة الْمُفَسّرِين … فاعلم أكْرَمَك اللَّه أَنّ هَذِه الأخْبَار لَم يُرْو منها شيء لَا سَقِيم وَلَا صَحِيح عَنْ رَسُول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- وَلَيْس هُو شَيْئًا يُؤْخَذ بِقِيَاس وَالَّذِي مِنْه فِي الْقُرْآن اخْتَلف الْمُفَسِّرُون فِي مَعْنَاه، وَأنْكَر مَا قَال بَعْضُهُم فِيه كَثير مِنْ السَّلَف كَمَا سنذكره، وهذه الْأَخْبَار من كُتُب اليَهُود وَافْتِرَائِهِم … ومما يذكرونه قِصَّة إبليس وَأنَّه كَان مِنْ الْمَلَائِكَة ورئيسا فيهم ومِن خزان الْجَّنة إِلَى آخر مَا حكوه … وَهَذَا أيْضًا لَم يتفق عَلَيْه بَلْ الأكثر ينفون ذَلِك وَأنَّه أَبُو الجن كَمَا آدَم أبو الإنس … ومما رووه في الْأَخْبَار أَنّ خلقًا مِنْ الْمَلَائِكَة عصوا اللَّه فحرقوا وأمروا أَنّ يسجدوا لآدم فأبوا فحرقوا ثُمّ أخرون كَذَلِك حَتَّى سجد لَه من ذَكَر اللَّه إلَّا إبليس فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>