للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧)} [القصص]. قال الحافظ ابن حجر: والذي قاله الأئمة إن الحكمة في رعاية الأنبياء للغنم: ليأخذوا أنفسهم بالتواضع، وتعتاد قلوبهم بالخلوة، ويترقَّوا من سياستها إلى سياسة الأمم (١).

وقصَّ الله -جل وعلا- علينا من خبر نبيه ورسوله داود -عليها السلام- قال الله: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (٨٠)} [الأنبياء: ٨٠]. كان حدَّادًا وفي نفس الوقت كان ملكًا، وكان لا يأكل إلا مما تصنعه يداه (٢).

وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «كان زكريا -عليها السلام- نجَّارًا» (٣).

[التحذير من الغلو في الأنبياء]

فإذا عرفنا ذلك وأنهم بشر كما أخبرنا الله -جل وعلا- تبيَّن أنه ليس لأحد من الأنبياء ولا من غيرهم شيءٌ من خصائص الربوبية ولا من خصائص الألوهية. ومقتضى كونهم بشرًا أنهم ليسوا بآلهة، وليس فيهم من صفات الألوهية ولا من صفات الربوبية شيء.

ولذلك فالمؤمن يعبد الله وحده لا شريك له. ويؤمن بأن الرسول أو النبي عبدٌ للهِ فلا يُعْبَد، ورسولٌ كريمٌ يطاعُ وَلا يُكَذَّب، والله -جل وعلا- خصهم بالوحي المنزل وفضلهم على العالمين. ومن الغلو الذي وقعت فيه الأمم أنهم عبدوا الأنبياء وغَلَوا فيهم وفي صالحيهم حتى عُبِدُوا من دون الله -جل وعلا-. وانظر إلى الآيات في خاتمة سورة المائدة إذ يقص الله -جل وعلا- علينا براءة نبيه عيسى -عليها السلام- مما نُسِبَ إليه قال ربنا سبحانه: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ


(١) فتح الباري (٦/ ٤٣٩).
(٢) البخاري (٢٠٢٧) عن المقدام -رضي الله عنه-، و (٢٠٧٣) عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(٣) مسلم (٢٣٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>