للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعنِّي على نفسك بكثرة السجود:

واجتهد -رحمك الله- في الإكثار من الصلوات النوافل؛ فقد روى مسلم من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي، قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: «سَلْ» فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَال: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ» قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» (١).

[احذر من الاتكال وترك العمل]

واحذر من الوقوع فيما وقع فيه المقصرون وفيما وقع فيه أولئك المفرِّطون في توحيد الله -جل وعلا- الذين يعتقدون أن بعض الناس له الأحقية وله الصلاحية في أن يكون شافعًا له عند الله -بلا عمل-، بل إن بعض الناس يأتي الأموات والأولياء، فيطلب منهم أن يكونوا له شفعاء عند الله.

[الشفاعة ملك لله]

واعلم أن الشفاعة ملكٌ لله سبحانه -كما تقدم- فلا تُطلَبُ إلا من الله. قال الله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ]. قال بعض العلماء: هذه الآية قطعت عروق شجرة الشرك من القلب لمن عقلها (٢).

قال ابن القيم -رحمه الله-: "وقد قطع الله تعالى كلَّ الأسباب التي تعلَّق بها المشركون جميعًا، قطعًا يعلم من تأمَّلُه وعرفه أنَّ من اتَّخذ من دون الله وليًّا، أو شفيعًا، فهو {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} [العنكبوت: ٤١]


(١) أخرجه مسلم (٤٨٩).
(٢) انظر: كلام شيخ الإسلام في التسعينية (٢/ ٥٢٦) المسائل والأجوبة (ص: ١١٧) واقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (٢/ ٢٢٦) والإخنائية أو الرد على الإخنائي ت العنزي (ص: ٩٩) وسيأتي كلام ابن القيم وانظر: القول السديد للسعدي (٦٧)، ومجموع فتاوى ابن عثيمين (٩/ ٣١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>