للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوق الأرض ويأخذهم على قدر أعمالهم كما تقدم معنا في حديث المقداد بن الأسود، وفيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «وَمِنْهُم مَنْ يُلجِمُه العَرَقُ إلجامًا» (١).

يقول عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قرأ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: ٦] قال -صلى الله عليه وسلم-: «يَقُومُ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ» (٢).

وجاء في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ في الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا، وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ» (٣).

هذا بيان وتصوير للموقف يوم القيامة، وكيف أن هؤلاء يعانون معاناةً عظيمةً من الوقوف يوم القيامة،

يقول ابن القيم -رحمه الله-: وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أن كمال ما يُستمتع به من الطيبات في الآخرة بحسب كمال ما قابله من الأعمال في الدنيا، ثم قال: وَمِنْهَا: طُولُ وُقُوفِهِ فِي الْمَوْقِفِ وَمَشَقَّتُهُ عَلَيْهِ وَتَهْوِينُهُ " عَلَيْهِ " إِنْ طَالَ وُقُوفُهُ فِي الصَّلَاةِ لَيْلًا وَنَهَارًا لِلَّهِ، وَتَحَمَّلَ لِأَجْلِهِ الْمَشَاقَّ فِي مَرْضَاتِهِ وَطَاعَتِهِ خَفَّ عَلَيْهِ " الْوُقُوفُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (٤)

[المؤمن في مأمن من هول يوم القيامة]

والمؤمن في مأمن بإذن الله. كما في المسند عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنِّي لَقَائِمٌ أَنْتَظِرُ أُمَّتِي تَعْبُرُ الصِّرَاطِ، إِذْ جَاءَنِي عِيسَى فَقَالَ: هَذِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَدْ جَاءَتْكَ يَا مُحَمَّدُ يَسْأَلُونَ-أَوْ قَالَ: يَجْتَمِعُونَ إِلَيْكَ-وَيَدْعُونَ اللهَ، أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ جَمْعِ الْأُمَمِ، إِلَى حَيْثُ يَشَاءُ اللهُ، لِغَمِّ مَا هُمْ فِيهِ؛ فَالْخَلْقُ مُلْجَمُونَ فِي الْعَرَقِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ، فَهُوَ عَلَيْهِ كَالزُّكْمَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَتَغَشَّاهُ الْمَوْتُ … » الحديث (٥).


(١) تقدم في المجلس السابع والعشرين.
(٢) أخرجه البخاري (٤٩٣٨)، ومسلم (٢٣٣٧).
(٣) أخرجه البخاري (٦٥٣٢) واللفظ له، ومسلم (٢٨٦٣).
(٤) اجتماع الجيوش الإسلامية (٢/ ٨٤)
(٥) أخرجه أحمد (١٢٨٢٤) وصححه الألباني في صحيح الترغيب (٣٦٣٩). وحسنه شيخنا الوادعي في كتاب الشفاعة (٦٨). والحديث من رواية حرب بن ميمون عن النضر بن أنس عن أبيه. وقد قال الدارقطني -كما في تعليقاته على المجروحين لابن حبان (ص: ٧٩) -: حَرْب … يحدث عَنْ النَّضر بْن أنس بنسخة لَا يُتَابع عَلَيْهَا ا. هـ وحرب هذا روى له مسلم حديثا واحدا في المتابعات. وانظر ترجمته وتوثيقه -تفصيلا وتحقيقا بما لا تكاد تجده في مكان غيره- في الصحيحة للعلامة الألباني (٦/ ٢٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>