{كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا} فلو كانوا محقِّين لما أصابهم بأسُ الله وعذابُه. ثم قال-سبحانه-: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} وهذه حجةٌ عظيمةٌ على المحتج بالقدر، فيقال له: أنت تقول لو كان الله كَتَبَ لي الصلاة لصلَّيتُ. ونحن نقول: هل عرفت أنَّ الله -عز وجل- قد كتبك عنده في اللوح المحفوظ أنك لست من أهل الهداية أو أنك لست من أهل الصلاة؟ فإذا كنت لا تعلم -وهذا هو الواقع- فاللهُ -عز وجل- قدَّر مقادير الخلائق، وحَجَبَها عن الناس؛ فلا يعلم أحدٌ شيئًا؛ ولذلك كان الواجب على المسلم أن يذعن لأمر الله سبحانه:{قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} هل اطلعتم الغيب؟ {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (٧٨)} [مريم]. يقول سبحانه: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (١٤٨)} [الأنعام]. يعني هذا كَذِبٌ منهم. إذًا هذه آيةٌ محكمةٌ عظيمةٌ في الردِّ على من يحتج بالقدر.
[لو صح الاحتجاج بالقدر لما كان لإرسال الرسل فائدة]
وكذلك يقول ربُّنا في كتابه الكريم:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء: ١٦٥]. لماذا بعث اللهُ الأنبياء والمرسلين؟
بعثهم اللهُ لإقامة الحجة على العباد. فلو كان احتجاجُ الناسِ بالقدر حقًّا وصوابًا لما كان لإرسال الرسل فائدةٌ تُذْكَر، ولكن الله سبحانه قال:{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} فلو كان الاحتجاجُ بالقدر على المعاصي سائغًا لما كان هناك داعٍ لإرسال الرسل!
[الاحتجاج بالقدر يسوي بين المؤمن والكافر]
كذلك لو كان حجةً لتساوى فرعونُ عدوُّ الله مع موسى كليم الله -عليها السلام-.
ولو كان الاحتجاج بالقدر على الذنوب والمعايب سائغًا لكان في ذلك تصحيحٌ لما عليه الكُفَّار من كُفْرِهِم. ولما كان هناك فرقٌ بين مؤمن وكافر.