للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد ذلك يطالب بالأعمال؛ فالأعمال من الإيمان، فكأنه قال: الإسلام هو القول، والإيمان قول وعمل، كما قرَّر ذلك العلماء.

ومن الأدلة التي ورد فيها ذلك: قصةُ نبي الله لوط -عليها السلام- لما ذكر الله قصته في سورة الذاريات قال سبحانه: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦)} [الذاريات: ٣٥ - ٣٦].

قال ابن القيم -رحمه الله-: ففرَّق بين الإسلام والإيمان هنا لسر اقتضاه الكلام، فإن الإخراج هنا عبارة عن النجاة فهو إخراج نجاة من العذاب ولا ريب أن هذا مختص بالمؤمنين المتبعين للرسل ظاهرا وباطناً. وقوله تعالى: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} لما كان الموجودون من المخرجين أوقع اسم الإسلام عليهم لأن امرأة لوط -عليها السلام- كانت من أهل هذا البيت وهي مسلمة في الظاهر، فكانت في البيت الموجودين لا في القوم الناجين، وقد أخبر سبحانه عن خيانة امرأة لوط -عليها السلام-، وخيانتها أنها كانت تدل قومها على أضيافه وقلبها معهم، وليست خيانة فاحشة فكانت من أهل البيت المسلمين ظاهراً وليست من المؤمنين الناجين ا. هـ (١)

[إذا لم يجتمعا في سياق واحد]

أما إذا لم يجتمعا في سياق واحد: وجاء ذكر الإسلام في دليل أو ذكر الإيمان في دليل منفردًا أحدهما عن الآخر فيدخل الإسلام في الإيمان، والإيمان في الإسلام، مثل قول الله-تعالى-: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: ١٩] فالمراد بالإسلام هنا شرائع الدين الظاهرة والباطنة. وهكذا في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٥٦)} [الأحزاب] فقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أراد بالإيمان من دخل في الإسلام وشرائعه الظاهرة والباطنة، أي: كل من قال: "لا إله إلا الله".

إذًا هذا هو التفريق عند العلماء بين الإسلام والإيمان فيما إذا ما اجتمعا أو افترقا، وهذا القول هو الذي أشار إليه الحافظ ابن كثير بقوله الذي تقدم معنا: "الإيمان أخصُّ من الإسلام".


(١) الرسالة التبوكية = زاد المهاجر إلى ربه ط عالم الفوائد (١/ ٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>