للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذًا المؤمن مأمور بالإيمان بالقضاء والقدر. ومأمورٌ أيضًا بالعمل الذي هو من القدر. فالنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الذي قال لنا: «كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ»، هو الذي قال لنا: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لما خُلِقَ له» (١). فلماذا تأخذ بعضًا وتترك بعضًا؟! {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة: ٨٥].

[الاحتجاج بالقدر]

مسألة الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي أو ترك الواجبات؛ -وهذا للأسف-موجودٌ عند كثير من الناس، فتجده يُفرِّط فيما أمره الله -عز وجل- به فيترك الصلاة ويترك البر والإحسان أو يفرط في ترك المعاصي فيأتيها ويواقعها فإن نُصِحَ وقيل له: "اتَّق الله" احتجَّ بقدر الله! (٢) فهل يجوز للإنسان أن يحتج بالقدر على فعل المعاصي وعلى ترك الواجبات؟ الجواب: الإيمان بالقدر لا يمنح العاصي حجةً على ترك ما تَرَكَ من الواجبات أو فعل ما فَعَلَ من المعاصي.

المحتج بالقدر إذا احتُجَّ عليه بالقدر لا يقبل ذلك:

يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين


(١) تقدم تخريجها.
(٢) صح عن عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- أنه قال: «إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: اتَّقِ اللَّهَ، فَيَقُولَ: عَلَيْكَ نَفْسَكَ» رواه محمد بن فضيل في الدعاء (١٠٦) قال: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد، قال عبد الله، به. وتابعه داود بن نصير عن الأعمش، رواه النسائي في السنن الكبرى (١٠٦٢١). ورواه أبو معاوية عن الأعمش واختلف عليه: فرواه هناد بن السري في الزهد (٢/ ٤٦٣) ومحمد بن العلاء -كما في سنن النسائي الكبرى (١٠٦٢٠) - قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش به موقوفا. ورواه محمد بن سعيد بن الأصبهاني، قال: حدثنا أبو معاوية به مرفوعا. رواه من طريقه: النسائي في السنن الكبرى (١٠٦١٩)، وابن مندة في «التوحيد (٧٠١ ت الفقيهي) -ومن طريقه قوام السنة الأصبهاني في الترغيب والترهيب (١/ ٤٣٦) رقم (٧٦٦) -، والبيهقي في شعب الإيمان (٦٢١ و ٧٨٩٦) وفي الدعوات الكبير (١٥٦). والموقوف أرجح وله حكم الرفع. وله طريق آخر موقوف رواه الدينوري في «المجالسة وجواهر العلم» (٢٦١٩) وأبو جعفر النحاس في معاني القرآن (١/ ١٥١) والطبراني في المعجم الكبير (٩/ ١١٣) رقم (٨٥٨٧) والبيهقي في شعب الإيمان (٧٨٩٦) من طريق سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الذَّنْبِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ: اتَّقِ اللهَ، فَيَقُولَ: عَلَيْكَ نَفْسَكَ، أَنْتَ تَأْمُرُنِي؟ ". والحديث المرفوع صححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة (٢٥٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>