للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أول نداء وأول أمر في القرآن]

وتأملوا في أوَّل نداء في القرآن وأوَّل أمر في كتاب الله -جل وعلا- وهو في الآية الحادية والعشرين من سورة البقرة، ففيها أولُ نداء في القرآن وأوَّلُ أمر في القرآن ما هو ذلك؟

قال -سبحانه وتعالى-: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١)} [البقرة] فنادى الله -جل وعلا- الناسَ أجمعين، الإنسَ والجنَّ، ناداهم وأمرهم، فقال: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} أي: وحِّدوا الله -جل وعلا- قال بعض السلف: العبادة في القرآن هي التوحيد. فإذا رأيت الأمر بالعبادة فهو أمر بتوحيد الله (١).

وتأملوا كيف جمع بين الأمر بالعبادة والوصف بالربوبية، فقال -جل وعلا-: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} لأن الناس الذين بُعِثَ إليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يؤمنون بربوبية الله، وبأنه الخالق، فقال: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} وأنتم تُقرِّون بذلك: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. ثم قال في الآية التي تليها: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٣)}.

فهذه آياتٌ حين يتأمَّلُها الإنسان، ويتفكَّرُها تزيده إيمانًا وقُربًا من رب العالمين.

أثر توحيد الأسماء والصفات:

فينبغي للمؤمن أن يبذل جهده في معرفة أسماء الله وصفاته -جل وعلا- على ضوء الكتاب والسنة كما جاء عن الصحابة -رضي الله عنهم-، وكما جاء عن التابعين لهم بإحسان. فهذه المعرفة، معرفة عظيمة نافعة، وهي المعرفة التي لا يزال صاحبها في زيادة في إيمانه، وقوة في يقينه،


(١) قال الطبري في تفسيره -جامع البيان ط هجر (١/ ٣٨٥) -: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- فِيمَا رُوِيَ لَنَا عَنْهُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ نَظِيرَ مَا قُلْنَا فِيهِ، غَيْرَ أَنَّهُ ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي مَعْنَى: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} وَحِّدُوا رَبَّكُمْ. وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ الْخُضُوعُ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ وَالتَّذَلُّلُ لَهُ بِالِاسْتِكَانَةِ. وَالَّذِي أَرَادَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِقَوْلِهِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} وَحِّدُوهُ: أَيْ أَفْرِدُوا الطَّاعَةَ وَالْعِبَادَةَ لِرَبِّكُمْ دُونَ سَائِرِ خَلْقِهِ ا. هـ

<<  <  ج: ص:  >  >>