للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيُحْمَلُونَ ضَبَائِرَ كَمَا تُحْمَلُ الْأَمْتِعَةُ، وَيُلْقَوْنَ عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ؛ فيصب عليهم ماء الحياة فيحيون وَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، فِي سُرْعَةِ نَبَاتِهَا وَضَعْفِهَا فَتَخْرُجُ لِضَعْفِهَا صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً ثُمَّ تَشْتَدُّ قُوَّتُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ. وَيَصِيرُونَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ وَتَكْمُلُ أَحْوَالُهُمْ فَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ. وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ -رحمه الله- فِيهِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا إِمَاتَةٌ حَقِيقِيَّةٌ، وَالثَّانِي لَيْسَ بِمَوْتٍ حَقِيقِيٍّ وَلَكِنْ تَغَيَّبَ عَنْهُمْ إِحْسَاسُهُمْ بِالْآلَامِ قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ آلَامُهُمْ أَخَفَّ فَهَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالْمُخْتَارُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ا. هـ (١)

[الخلود للكافرين]

أما الكافر والمشرك فإن الله -سبحانه وتعالى- قد أخبر أنهم في نار جهنم خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يخرجون منها بشفاعة بل لا يؤذن لهم بالشفاعة، ومن هؤلاء أيضًا المنافقون، كما قال الله -جل وعلا-: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (٦٨)} [التوبة]

أما المؤمن الذي يموت عاصيًا لم يتب إلى الله -سبحانه وتعالى- ثم يدخل نار جهنم فإنه لا يخلد فيها كما أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن هؤلاء كما ذكرنا أصحابُ الكبائر: كمن مات على الكِبْر أو قاتلًا لنفس أو آكلًا للربا أو آكلًا لأموال الناس بالباطل أو مات ظالمًا للناس أو مات وقد وقع في شيء من الرياء أو كالنساء الكاسيات العاريات، فهؤلاء تحت المشيئة فإذا لم تدركهم رحمة الله -سبحانه وتعالى- وكُتِبَ عليهم العذابُ فإنهم لا يخلدون في نار جهنم.

[ينقطع رجاء أهل النار عند ذبح الموت]

ولا يزال أهل جهنم في رجاء الفرج إلى أن يذبح الموت فحينئذ يقع منهم الإياس وتعظم عليهم الحسرة والحزن. فإنه إذا دخل أهلُ الجنةِ الجنةَ، وأهلُ النارِ النارَ، -كما في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ،


(١) شرح النووي على مسلم (٣/ ٣٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>