للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بعثة الأنبياء والرسل رحمة بالعباد]

وهذا -يا إخواني- من رحمة الله -جل وعلا- بالعباد أن بَعَثَ إليهم أنبياءَ ورسلًا يخبرونهم عن أمر الله وعن شريعة الله -جل وعلا- إليهم. -جل وعلا-. وقد ذكر ابن القيم وغير واحد من العلماء حاجة العباد إلى إرسال الرسل، وأنه لا يمكن أن يستقيم حال الناس إلا ببعثة الأنبياء والمرسلين.

يقول ابن القيم -رحمه الله-: من هاهنا تعلم اضطرار العباد فوق كل ضرورة إلى معرفة الرسول وما جاء به، وتصديقه فيما أخبر به، وطاعته فيما أمر؛ فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من جهتهم، ولا يُنال رضا الله البتة إلا على أيديهم (١).

ولهذا فإن الأمم الضالة التي كفرت بالله-سبحانه-تجد في نفوسهم-مع ما هم عليه-حاجةً إلى أن يتخذوا زعماء يهتدون بهديهم، ويسيرون على طريقتهم.

ويقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: والرسالة ضرورية للعباد، لا بُدَّ لهم منها، وحاجتُهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء، والرسالةُ روحُ العالَم ونورُه وحياتُه، فأيُّ صلاحٍ للعالم إذا عدم الروح والحياة والنور؟! والدنيا مظلمةٌ ملعونةٌ إلا ما طلعت عليه شمسُ الرسالة، كذلك العبد ما لم تُشرِق في قلبه شمسُ الرسالة ويناله من حياتها وروحها فهو في ظلمة؛ وهو من الأموات قال الله: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: ١٢٢] فهذا وصف المؤمن كان ميتًا في ظلمة الجهل، فأحياه الله بروح الرسالة ونور الإيمان، وجعل له نورًا يمشي به في الناس، وأما الكافر فميت القلب في الظلمات (٢).

وتأملوا قول الله -جل وعلا-: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا


(١) زاد المعاد (١/ ٦٨).
(٢) مجموع الفتاوى (١٩/ ٩٤، ٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>