للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي النَّارِ فَانْطَلِقُوا إِلَى غَيْرِي» -وذكر في نوح وإبراهيم وموسى وعيسى مثل ذلك-، كلهم يقول: «إِنِّيْ أَخَافُ أَنْ يَطْرَحَنِي فِي النَّارِ فَانْطَلِقُوا إِلَى غَيْرِي» (١)

قال الحافظ زين الدين ابن رجب -رحمه الله-: ولم يزل الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون يخافون النار ويخوفون منها ا. هـ (٢)

[صفة الخوف الواجب]

قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: والقدر الواجب من الخوف، ما حمل عَلَى أداء الفرائض واجتناب المحارم، فإن زاد عَلَى ذلك بحيث صار باعثًا للنفوس عَلَى التشمير في نوافل الطاعات والانكفاف عن دقائق المكروهات، والتبسط في فضول المباحات، كان ذلك فضلاً محمودًا، فإن تزايد عَلَى ذلك بأن أورث مرضًا أو موتًا أو همًّا لازمًا بحيث يقطع عن السعي في اكتساب الفضائل المطلوبة المحبوبة لله -عز وجل-، لم يكن ذلك محمودًا، … والمقصود الأصلي هو طاعة الله -عز وجل- وفعل مراضيه ومحبوباته وترك مناهيه ومكروهاته. ولا ننكر أن خشية الله وهيبته وعظمته في الصدور وإجلاله مقصود أيضاً، ولكن القدر النافع من ذلك ما كان عونًا عَلَى التقرب إِلَى الله بفعل ما يحبه وترك ما يكرهه، ومتى صار الخوف مانعًا من ذلك وقاطعًا عنه فقد انعكس المقصود منه ا. هـ (٣)

[خلق الله النار رحمة يخوف بها عباده]

قال الحافظ زين الدين ابن رجب -رحمه الله-: خوف العقاب ليس مقصودًا لذاته، إِنَّمَا هو سوط يساق به المتواني عن الطاعة إليها، ومن هنا كانت النار من جملة نعم الله عَلَى عباده


(١) أخرجه بهذا اللفظ: إسحاق ابن راهويه (١٨٤) وابن أبي الدنيا في الأهوال (١٥٤) والبزار (٩٨٠١) وابن حبان (٦٤٦٥) وابن منده في «الإيمان» (٢/ ٨٥١) رقم (٨٨٢) وإسناده صحيح على شرط الشيخين. ورواه مسلم (١٩٤) ولم يسق لفظه بتمامه. وقال الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية ط هجر» (١٩/ ٤١٨): وهي زيادة غريبة جدا، ليست في الصحيحين، ولا في أحدهما، بل ولا في شيء من بقية السنن، وهي منكرة جدا، فالله أعلم ا. هـ وقواه واحتج به الحافظ ابن رجب في «التخويف من النار» (٢٣/ ط بشير عيون)
(٢) التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار (ص ٢٤)
(٣) المرجع السابق (ص ٥٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>