فذكر الله -جل وعلا- في هذه الآية أن الوحي روح من الله -سبحانه وتعالى- فالله يضرب المثل للوحي الذي أنزله حياةً للقلوب ونورًا لها: ومن ذلك أن الله -جل وعلا- ضرب له مثلًا بالماء الذي ينزله من السماء حياةً للأرض ويقول -جل وعلا-: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ}[الرعد: ١٧]. فشبَّهَ اللهُ العلمَ بالماء المنزَّل من السماء؛ لأنَّ به حياة القلوب كما أنَّ بالماء حياةَ الأبدان؛ فهذا يدل-إخواني في الله-على أنَّ حاجةَ النَّاسِ إلى معرفة الأنبياء والمرسلين والإيمان بهم كما أمرهم الله -جل وعلا- فوق كل حاجة وفوق كل ضرورة.
[ما على الرسول إلا البلاغ]
من رحمة الله -جل وعلا- بنا أن أمر هؤلاء الأنبياء والرسل بالبلاغ قال الله سبحانه:{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}[المائدة: ٦٧]
فنحن -يا إخواني- نؤمن بأن الأنبياء والرسل سفراءُ الله إلى عباده وحملةُ الوحي، ومهمتُهم هي إبلاغُ الأممِ الأمانةَ التي تحمَّلُوها من ربهم -سبحانه وتعالى- وقد بلَّغ نبينا -صلى الله عليه وسلم- الرسالة، وأدى الأمانة، وجاءنا بهذا الكتاب العظيم، وبهذا البيان والوحي الإلهي من رب العالمين -سبحانه وتعالى-.
ومن رحمة الله -جل وعلا- بالأمم أن الله أمر الأنبياء بالدعوة إليه -جل وعلا- وبيانِ أمره، ودعوة الناس إلى توحيده؛ فالأنبياء والمرسلون يدعون إلى توحيد الله وإلى كل خيرٍ أَمَرَ الله به، ويَنهَون عن الشرك، وعن كلِّ شرٍّ نهى الله -جل وعلا- العباد عنه، والأنبياء والمرسلون مبشِّرُون ومُنْذِرون كما وصف الله -جل وعلا- نبيَّنا -صلى الله عليه وسلم- بأنه كان بشيرًا ونذيرًا. فمن أطاعهم دخل الجنة، ومن عصاهم دخل النار؛ قال الله -جل وعلا-: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه].