للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتلقَّاها بعضُ الناس عنهم، وربما وُجِدَت في بعض التفاسير، فيجب على المسلم أن ينتبه لذلك، وأن يعلم يقينًا أنَّ الله -جل وعلا- قد عصم أنبياءه من ذلك.

[هل يقع الخطأ من الأنبياء في أمور الدنيا؟]

أما في الأمور الدنيوية فشأنهم كشأن البشر، وهذا لا يُنقصهم، وقد ثبت عن رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: قدم نبي الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة وَهُمْ يَأْبُرُونَ النَّخْلَ يعني: يلقحونه؛ فقال: «مَا تَصْنَعُونَ؟» قالوا: كنا نصنعه، يعني: نفعل هذا من أجل تنبيت الرطب، فقال: «لَعَلَّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْرًا» فتركوه، فَنَفَضَتْ أَوْ فَنَقَصَتْ، قال: فذكروا ذلك له. فقال: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيِي، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ» (١) يعني: أصيب وأخطأ.

وجاء في حديث عَائِشَةَ، وَأَنَسٍ -رضي الله عنهما-، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ، فَقَالَ: «لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ» قَالَ: فَخَرَجَ شِيصًا، فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ: «مَا لِنَخْلِكُمْ؟» قَالُوا: قُلْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» (٢).

فمثل هذا -كما يقول القاضي عياض -رحمه الله- -: مثل هذا وأشباهه من أمور الدنيا التي لا مدخل فيها بعلم ديانةٍ، ولا اعتقادها، ولا تعليمها يجوز عليه فيه ما ذكرناه؛ إذ ليس في هذا كله نقيصةٌ ولا محطةٌ، وإنما هي أمور اعتياديَّة يعرفها من جرَّبها، وجعل همَّه شُغْلَ نفسه بها، والنبي -صلى الله عليه وسلم- مشحونُ القلبِ بمعرفة الربوبية، ملآنُ الجوانحِ بعلوم الشريعة، مقيَّدُ البالِ بمصالح الأمة الدينية والدنيوية … (٣) إلخ.

[تلخيص ما سبق]

حاصل هذا الباب: أن نعلم أن الله -جل وعلا- خصَّ الأنبياء والمرسلين بأنهم معصومون، فقد عصمهم الله -جل وعلا- من الوقوع في الكفر، ومن الوقوع في الشرك، ومن الخيانة، كما عصمهم في تبليغهم للدين والشريعة، فبلَّغوا دين الله. فنشهد: بأنَّ الأنبياء بلَّغُوا الرسالة، وأدَّوُا الأمانة بكل ما ائتمنهم الله -جل وعلا- عليه، وأنهم لم يقصِّروا في شيء من ذلك،


(١) مسلم (٢٣٦٢).
(٢) مسلم (٢٣٦٣).
(٣) الشفا تعريف حقوق المصطفى-وحاشية الشمني (٢/ ١٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>