للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتميز المنافقون على المؤمنين بامتناعهم من السجود، وكذلك يمتازون عنهم بالنور الذي يقسم المؤمنين ا. هـ (١)

[صفة الورود على الصراط]

اختلف العلماء -رحمهم الله- تعالى في صفة هذا الورود، وأصحُّ الأقوال -إن شاء الله- هو: قولُ من قال من العلماء أنَّ الورود هنا المراد به: العبورُ على الصراط يوم القيامة أو هو دخول عبور وذلك بالنسبة للمؤمن (٢). كما في صحيح الإمام مسلم من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رضي الله عنهما-، قالَ: أَخْبَرَتْنِي أُمُّ مُبَشِّرٍ -رضي الله عنها-، أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ -رضي الله عنها-: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ، إِنْ شَاءَ اللهُ، مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ، الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا» قَالَتْ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ فَانْتَهَرَهَا، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «قَدْ قَالَ اللهُ -عز وجل-: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (٧٢)} [مريم]» (٣)

قال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-: وحاصل ما فهمت -أي حفصة -رضي الله عنها- منها أن الورود فيها بمعنى الدخول وأنها قابلت عموم قوله -صلى الله عليه وسلم- «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» بعموم قوله تعالى {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} وكأنها رجَّحت عموم القرآن فتمسكت به، فأجابها النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن آخر الآية يبيِّن المقصود، فقرأ قوله تعالى {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (٧٢)} وحاصل الجواب تسليم أن الورود دخول، لكنه دخول عبور، فينجو من اتقى، ويترك فيها من ظلم، وبيان ذلك أن جهنم - أعاذنا الله منها - محيطة بأرض المحشر وحائلة بين الناس وبين الجنة، ولا طريق للجنة إلا الصراط الذي هو جسر ممدود على متن جهنم، فلا بدَّ لكل من ضمَّه المحشر من العبور عليه؛ فناج مُسَلَّم، ومخدوش مرسل، ومكردسٌ في نار جهنم - كما تقدَّم، وهذا قول الحسن وقتادة، وهو الذي تعضده الأخبار الصحيحة والنظر المستقيم ا. هـ (٤).


(١) «التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار» (ص ٢٣٥ - ٢٣٨)
(٢) روى الترمذي ت شاكر (٣١٦٠) بسند صحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه-، قَالَ في تفسير الآية: «يَرِدُونَهَا ثُمَّ يَصْدُرُونَ بِأَعْمَالِهِمْ».
(٣) صحيح مسلم (٢٤٩٦)
(٤) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (٦/ ٤٤٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>