للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصيبون فيه؛ ولذلك فإنهم يعملون بقول إمامهم حتى وإن خالف كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. ولهذا حصلت فتن كثيرة وانجرف كثير من الناس في مخالفة السنة والبُعْد عن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ بسبب أنهم يعملون على ادَّعاء العصمة لأئمتهم ولعلمائهم؛ فلا يرون منهم إلا حقًّا، ولا يرون إلا أن قولهم هو الصواب حتى إن بعضهم تُعرَضُ عليه الآية ويُعرَضُ عليه حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيترك كل هذا، ويدَّعي أن ما جاء عن الإمام حقٌّ وصواب. بل قال بعضهم: … فإن كان الحديث موافقا لهم - يعني لمذهب من ينتسب إليهم- فبها؛ وإلا فذكرت مُسْتَدَلَّهُم والجواب عن الحديث وتوجيهه ا. هـ (١) يعني يجعل كلام من يتبع مذهبهم هو الأصل ثم يجيب عن الحديث وكان الواجب أن يجعل الحديث هو الميزان لأن الله -جل وعلا- أمرنا عند الاختلاف والتنازع بالعودة إلى كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: ٥٩].

[دراسة المذاهب]

ولا مانع من أن يتفقه المؤمن على مذهب أبي حنيفة أو مالك أو مذهب الشافعي أو أحمد أو غيرهم من الأئمة، فهذه طريقة مسلوكة عند العلماء، ومن فوائدها: أنها تعين الطالب على حصر مسائل الفقه في كل باب، ومعرفة ترتيب الأبواب ترتيبا تفهم به المسائل الفقهية عموما. فهو بهذا طريقةٌ للتفقه لا غاية، ووسيلة لفهم النصوص وليس دينا بديلا عنها. وإنما عاب العلماء التعصب لغير الدليل، والتمسك بالمذهب بعد وضوح مخالفته للكتاب والسنة. كما عابوا من أراد فهم النصوص بعيدا عن فقه الأئمة أو رام العمل بالأدلة بمعزل عن فهمهم وحذروا من الطعن فيهم واعتقاد تعمد مخالفتهم للحق والهدى. قال الإمام الطحاوي -رحمه الله- في عقيدته: «وَعُلَمَاءُ السَّلَفِ مِنَ السَّابِقِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ؛ أَهْلُ الْخَيْرِ وَالْأَثَرِ، وَأَهْلُ الْفِقْهِ وَالنَّظَرِ، لَا يُذْكَرُونَ إِلَّا بِالْجَمِيلِ، وَمَنْ ذَكَرَهُمْ بِسُوءٍ فَهُوَ عَلَى غَيْرِ السَّبِيلِ» (٢) وعلى هذا الطريق الوسط يسير طالب العلم في دراسة السنة دراسة مؤسسة على قواعد أهل العلم المتينة متفرعة من


(١) مقدمة بذل المجهود شرح سنن أبي داود (١٥٩)
(٢) متن الطحاوية بتعليق الألباني (ص: ٨٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>