للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي قَلْبِهِ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ -عز وجل- هُوَ الَّذِي يَجْعَلُهُ فِيهِ» (١). وقَالَ: «وجدت بن آدَمَ مُلْقًى بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَالشَّيْطَانِ فَإِنِ اخْتَارَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ نَجَا وَإِنْ خَلَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْطَانِ ذَهَبَ بِهِ» (٢).

وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ حَيْثُ قَالَ:

لَيْسَ لِلَّهِ الْعَظِيمِ نِدٌّ … وَهَذِهِ الْأَقْدَارُ لَا تُرَدُّ

لَهُنَّ وَقْتٌ وَلَهُنَّ حَدٌّ … مؤخر بعض وبعض نقد

وَلَيْسَ مِنْ هَذَا وَهَذَا بُدٌّ … وَلَيْسَ مَحْتُومًا لِحَيٍّ خُلْدُ (٣)

[شرح الإمام ابن بطة لمسائل القدر]

وقال الإمام ابن بطة العكبري -رحمه الله-: وَأَمَّا الْقَدَرُ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: فُرِضَ عَلَيْنَا عِلْمُهُ وَمَعْرِفَتُهُ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِجَمِيعِهِ.

وَالْآخَرُ: فَحَرَامٌ عَلَيْنَا التَّفَكُّرُ فِيهِ وَالْمَسْأَلَةُ عَنْهُ، وَالْمُنَاظَرَةُ عَلَيْهِ، وَالْكَلَامُ لِأَهْلِهِ، وَالْخُصُومَةُ بِهِ. فَأَمَّا الْوَاجِبُ عَلَيْنَا عِلْمُهُ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ وَالْإِقْرَارُ بِجَمِيعِهِ:

• أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ مِنَ اللَّهِ،

• وَأَنَّ الطَّاعَةَ وَالْمَعْصِيَةَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ،

• وَأَنَّ مَا أَصَابَنَا لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئُنَا وَمَا أَخْطَأْنَا لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبُنَا،

• وَأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا، عَلِمَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ، وَوَفَّقَهُمْ لِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ رَضِيَهَا أَمَرَهُمْ بِهَا، فَوَفَّقَهُمْ لَهَا، وَأَعَانَهُمْ عَلَيْهَا، وَشَكَرَهُمْ بِهَا، وَأَثَابَهُمُ


(١) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (٣٥١٣٣) وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (١٧١٤، ١٧١٥) والبيهقي في القضاء والقدر (٥٢٨) عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «لَوْ كَانَ الْخَيْرُ فِي كَفِّ أَحَدِنَا مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يُفْرِغَهُ فِي قَلْبِهِ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يُفْرِغُهُ فِي قَلْبِهِ» وفي المجالسة وجواهر العلم (٢٣٩٨) للدينوري: عن ابْنِ الْمُبَارَكِ قال: قَالَ مُطَرِّفٌ: «لَوْ كَانَ الْخَيْرُ فِي كَفِّي مَا نُلْتُهُ إِلا بِمَشِيئَةِ اللهِ».
(٢) رواه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (١٧١٢) وهو بنحوه في «الزهد والرقائق - ابن المبارك - ت الأعظمي» (٢٩٨)، و «المعرفة والتاريخ للفسوي - ت العمري - ط العراق» (٢/ ٨١)، و «حلية الأولياء وطبقات الأصفياء» (٢/ ٢٠١)
(٣) الاستذكار (٨/ ٢٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>