للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنهم جاؤوا ربهم سبحانه بالشرك، ولم يكونوا موحِّدين، فلو جاء رجلٌ بأعمال الدنيا الصالحة كلِّها إلا التوحيد فإنَّ الله -عز وجل- لا يقبل له عملًا؛

ولذا قال: {فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (١٠٥)} [الكهف: ١٠٥]

ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ» (١)

وإنما الذي ينفع في الميزان هو العمل الصالح مع إيمان بالله وتوحيد به.

قال الشوكاني -رحمه الله-: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (١٠٥)} أَيْ: لَا يَكُونُ لَهُمْ عِنْدَنَا قَدْرٌ وَلَا نَعْبَأُ بِهِمْ، وَقِيلَ: لَا يُقَامُ لَهُمْ مِيزَانٌ تُوزَنُ بِهِ أَعْمَالُهُمْ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ لِأَهْلِ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ، وَهَؤُلَاءِ لَا حَسَنَاتٍ لَهُمْ ا. هـ (٢)

[أمور عظيمة تثقل الميزان]

[التسبيح]

من ذلك ما جاء في الحديث السابق: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ».

وقال -صلى الله عليه وسلم-: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ-أَوْ تَمْلأُ-مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ … » الحديث (٣). فتأملوا قوله -صلى الله عليه وسلم-: «وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ-أَوْ تَمْلأُ-مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ … » فإنه دالٌ على أن هذه الكلمات المباركات لعظيم فضلها وعلو مكانتها تملأ الميزان، والحديث على ظاهره من غير تأويل بثوابها؛ لعدم ما يمنع من كونها هي الموزون.

[الكلمات الأربع الباقيات الصالحات واحتساب الولد الصالح إذا مات]

كذلك جاء عن أَبي سَلْمَى -رضي الله عنه- رَاعِي رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-،


(١) أخرجه البخاري (٤٧٢٨)، ومسلم (٢٧٨٥) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(٢) فتح القدير (٣/ ٣٧٣).
(٣) أخرجه مسلم (٢٢٣) من حديث أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه-.

<<  <  ج: ص:  >  >>