للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَحُذَيْفَةَ -رضي الله عنهما-، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «يَجْمَعُ اللهُ -تبارك وتعالى- النَّاسَ، فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تُزْلَفَ لَهُمُ الْجَنَّةُ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: يَا أَبَانَا، اسْتَفْتِحْ لَنَا الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: وَهَلْ أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ آدَمَ، لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى ابْنِي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللهِ، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ -عليها السلام-: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلًا مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ (١)، اعْمِدُوا إِلَى مُوسَى -عليها السلام- الَّذِي كَلَّمَهُ اللهُ تَكْلِيمًا، فَيَأْتُونَ مُوسَى -عليها السلام-، فَيَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى كَلِمَةِ اللهِ وَرُوحِهِ، فَيَقُولُ عِيسَى -عليها السلام-: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم-، فَيَقُومُ فَيُؤْذَنُ لَهُ، وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ … » (٢)

[شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- في عمه أبي طالب]

ثالثا: ومن أنواع الشفاعة الخاصة بنبينا -صلى الله عليه وسلم-: شفاعتُه في تخفيف العذاب عن عمِّه أبي طالب؛ فإنه شفع فيه عند الله حتى خُفِّف عَنْه العذابُ.

ففي الصحيحين عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ، فَقَالَ: «لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ، يَغْلِي مِنْهُ أُمُّ دِمَاغِهِ» (٣)


(١) قوله: «وَرَاءَ وَرَاءَ»: بالفتح فيهما على المشهور والثانية مؤكدة للأولى كقولهم شذر مذر كما في شرح النووي على مسلم (٣/ ٧١). والمعنى كما قال القاضي عياض في «مشارق الأنوار» (٢/ ٢٨٤): «أَي من غير تقريب وَلَا إدلال بخواصها». وقال في «إكمال المعلم بفوائد مسلم» (١/ ٥٧٦): فيه إشارةٌ إلى تفضيل محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وفيه حجةٌ على زيادة منزلة محمد -صلى الله عليه وسلم- في القرب على إبراهيم، وليس ذلك إلا بالرؤية والمناجاة - والله أعلم بقوله: " من وراء وراء" ا. هـ وقال النووي -رحمه الله- في «شرحه على مسلم» (٣/ ٧١): «قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ هَذِهِ كَلِمَةٌ تُذْكَرُ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ أَيْ لَسْتُ بِتِلْكَ الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ -ثم نقل النووي عنه أن المعنى-: فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ -صلى الله عليه وسلم- أَنَا وَرَاءُ مُوسَى الَّذِي هُوَ وراء محمد صلى الله عليه وعليهم أَجْمَعِينَ وَسَلَّمَ.
(٢) أخرجه مسلم (١٩٥). ووهم الحاكم فخرجه في المستدرك على الصحيحين (٨٧٤٩) وصححه على شرطهما. وتعقبه شيخنا الوادعي في تحقيق المستدرك.
(٣) رواه البخاري (٦٥٦٤) ومسلم (٢١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>