للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك يقول ربنا في كتابه الكريم: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (٤٧)} [الحاقة].

[العصمة في التبليغ من براهين صدق المرسلين]

فدلَّت الآيات على أن الله لا يؤيد من يكذب عليه، بل لا بُدَّ أن يُظهِر كذبه، وأن ينتقم منه؛ ولذلك فعند التأمل والتدبر في هذه المسألة نجدها: من أعظم معجزات ودلائل نبوة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-. فلا يُعقَل أن يخرج رجل يدعي النبوةَ قَبْلَ ألف وأربعمائة سنة ويخبر عن الله بأمور، ويؤمن به أناس ثم ينتشر دينه، ويتوسع، ويحارِب ويقتل من يقاتله، ويغنم ويسبي، ونحو ذلك، وينتشر عبر مئات السنين إلى هذا اليوم، ويكون مُبْطلًا كما يقول بعض الناس. فلو تأمل الناس في ذلك لعرفوا أن هذا دليل على صدق النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-. وقد أثبت الله -جل وعلا- عصمته لأنبيائه كما قال ربنا -جل وعلا-: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (٧٣) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (٧٤) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (٧٥) وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (٧٦) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (٧٧)} [الإسراء] فهذه الآيات دالَّةٌ على عصمة ربنا -جل وعلا- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- في تبليغ الوحي.

ولهذا كان عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- يطلب العلم عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متفرِّغًا له، فقال -رضي الله عنه-: كنت أكتب كلَّ شيء أسمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أريد أن أحفظه، فنهتني قريش، فقالوا: إنك تكتب كلَّ شيء تسمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشر، يتكلم في الغضب والرضا. قال: فأمسكت عن الكتابة. فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: «اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنِّي إِلَّا حَقٌّ» أخرجه الإمام أحمد وأبو داود (١).


(١) صحيح رواه أحمد (٦٥١٠) واللفظ له، وأبو داود (٣٦٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>