للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المحتجون بالقدر لا يحتجون به في أمر الدنيا]

ولو تأملنا أيضًا في هذا الباب لرأينا أن المحتجِّين بالقدر لا يحتجون به على أمر دنياهم فإنهم يذهبون إلى عملهم، ويسعون ويكدحون ويطلبون الرزق، ويسلكون الأسباب، ولا يقولون: لو كان الله قدَّر لنا رزقًا لآتانا. ثم يمكثون في بيوتهم، ولو فعلوا ذلك لعُدُّوا من المجانين ولما قُبِلَ ذلك منهم.

إذًا الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي والذنوب والآثام حُجَّةٌ احتجَّ بها المشركون ورَدَّ اللهُ -عز وجل- عليهم هذه الحجة. وقد نَقَلَ شيخُ الإسلام -كما تقدم- إجماعَ المسلمين وسائرِ أهل الملل على أن هذه ليست بحجة لأحد قال - كما تقدم-: "وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين وسائر أهل الملل". فعلى المسلم أن يتقي ربَّه -جل وعلا- وأن يعلم أن إيمانه بالقضاء والقدر يدعوه إلى الاجتهاد والعمل الصالح.

[كلمات خطأ في باب القدر]

نختم مجلسنا هذا بذكر بعض الأمور التي يقع فيها بعض الناس، وهي مما يتنافى مع هذا الباب العظيم.

أولا: الاحتجاج بالقدر:

فمن ذلك ما ذكرناه آنفًا من الاحتجاج بالقدر على المعاصي والذنوب.

ثانيا: قول بعضهم هل كانت وفاة فلان قضاء وقدرًا:

يقول بعض الناس إذا سمع بوفاة أحد: هل تُوُفِّي بسبب؟ أو توفي قضاءً وقدرًا؟

تأملوا هذا السؤال؛ فإنه خطأ؛ إذ ما من شيء إلا وهو بقضاء وقدر. فمن مات بسبب واضح بيِّن فإنما مات بقضاء الله وقدره. ومن مات بغير سبب ظاهر فكذلك مات بقضاء الله وقدره. فهذه من الكلمات المنتشرة، وهي من الأخطاء.

ثالثا: الاعتراض على القدر بالقول:

كذلك من الخطأ الذي يقع فيه بعض الناس الاعتراضُ على أقدار الله -جل وعلا- فإذا نزلت به مصيبة أو نزل به بلاء ينادي ربَّه، فيقول: يا ربي ماذا فعلتُ حتى أستحق منك هذه العقوبة؟! وهذا اعتراض على أمر الله -سبحانه- وعلى قضائه، ولا يجوز؛ فإنَّ الله-سبحانه-له ما أخذ، وله ما أعطى، وكلُّ شيء عنده بأجل مسمى {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>