للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مقامات وحي الله إلى رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم-]

قال الحافظ ابن القيم -رحمه الله-: وَكَمَّلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ مَرَاتِبَ الْوَحْيِ مَرَاتِبَ عَدِيدَةً:

إِحْدَاهَا: الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ، وَكَانَتْ مَبْدَأَ وَحْيِهِ -صلى الله عليه وسلم-، «وَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ» (١).

الثَّانِيَةُ: مَا كَانَ يُلْقِيهِ الْمَلَكُ فِي رَوْعِهِ وَقَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَاهُ، …

الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَتَمَثَّلُ لَهُ الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُخَاطِبَهُ حَتَّى يَعِيَ عَنْهُ مَا يَقُولُ لَهُ، وَفِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ كَانَ يَرَاهُ الصَّحَابَةُ أَحْيَانًا (٢).

الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَكَانَ أَشَدَّهُ عَلَيْهِ، فَيَتَلَبَّسُ بِهِ الْمَلَكُ حَتَّى إِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ (٣)، وَحَتَّى إِنَّ رَاحِلَتَهُ لِتَبْرُكُ بِهِ إِلَى الْأَرْضِ إِذَا كَانَ رَاكِبَهَا (٤). وَلَقَدْ جَاءَ الْوَحْيُ مَرَّةً كَذَلِكَ وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ


(١) تقدم قريبا
(٢) كما في حديث جبريل المشهور، وكما في البخاري (٣٦٣٤)، ومسلم (٢٤٥١)،: أَنَّ جِبْرِيلَ -عليها السلام- أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِأُمِّ سَلَمَةَ: «مَنْ هَذَا؟» أَوْ كَمَا قَالَ، قَالَ: قَالَتْ: هَذَا دِحْيَةُ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: ايْمُ اللَّهِ مَا حَسِبْتُهُ إِلَّا إِيَّاهُ، حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ نَبِيِّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُخْبِرُ جِبْرِيلَ، أَوْ كَمَا قَالَ، قَالَ: فَقُلْتُ لِأَبِي عُثْمَانَ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وفي مسند أحمد (٥٨٥٧) عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: «وَكَانَ جِبْرِيلُ -عليها السلام- يَأْتِي النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فِي صُورَةِ دِحْيَةَ».
(٣) رواه البخاري (٢) ومسلم (٢٣٣٣) عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها-، أَنَّ الحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ -رضي الله عنه- سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ» قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ فِي اليَوْمِ الشَّدِيدِ البَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا.
(٤) روى الإمام أحمد في المسند (٤١/ ٣٦٢/ ٢٤٨٦٨) عن عَبْد الرَّحْمَنِ - وهو ابن أبي الزناد-، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، أَنَّهَا قَالَتْ: «إِنْ كَانَ لَيُوحَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَتَضْرِبُ بِجِرَانِهَا» قال السندي: (بجِرانها)، بكسر الجيم: باطن العنق، والبعير إذا استراح، مدَّ عنقه على الأرض ا. هـ والحديث رواه الحاكم (٣٨٦٥) من طريق مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، به قالت: كَانَ إِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ وَضَعَتْ جِرَانَهَا، فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَتَحَرَّكْ، وَتَلَتْ قَوْلَ اللَّهِ -جل وعلا-: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (٥)} [المزمل] وقال الحاكم: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ»

<<  <  ج: ص:  >  >>