للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحْيًا} [الشورى: ٥١] قال: الوحي في المنام (١)، وهذا ما يتعلق برؤيا الأنبياء وَ «رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ» (٢)؛ ولذلك فإنَّ خليل الرحمن إبراهيم -عليها السلام- بادر إلى ذبح ولده عندما رأى في المنام أنه يذبحه، وعَدَّ هذه الرؤيا أمرًا إلهيًّا (٣). يقول -سبحانه وتعالى-: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢)} [الصافات: ١٠٢] … الآيات. وجاء في الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: «أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ» (٤).

المقام الثاني: الذي دلت عليه آية الشورى: {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} وهو تكليم الله لرسله من وراء حجاب كما كلَّم الله-تعالى-موسى -عليها السلام-؛ قال ربنا -جل وعلا-: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: ١٤٣]، وقال سبحانه: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (١٢)} [طه]. وكما قال -جل وعلا- في شأن آدم -عليها السلام-: {قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} [البقرة: ٣٣]، ولهذا لما سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أبينا آدم -عليها السلام-: أكان نبيًّا؟ قال: «نَعَمْ، مكَلَّم مُعلَّمٌ» (٥).

والمقام الثالث: الوحي إلى الرسول بواسطة المَلَكِ، وهذا هو الذي يُفهَم من قوله تعالى: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ}.


(١) التفسير الوسيط للواحدي (٤/ ٦٠) والأسماء والصفات للبيهقي (١/ ٤٩١)
(٢) رواه البخاري (١٣٨) عن عبيد بن عمير مقطوعا. ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره (١١٣٢٨) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (١٤/ ٤٦٥) والطبراني في المعجم الكبير (١٢/ ٦) رقم (١٢٣٠٢) وابن أبي عاصم في السنة (٤٦٣) والحاكم في المستدرك (٣٦١٣، ٨١٩٧) من طرق عن الثوري عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا وإسناده حسن. وقال الإمام الشافعي كما في الأم (٥/ ١٣٧): قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ «رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ» لِقَوْلِ ابْنِ إبْرَاهِيمَ الَّذِي أُمِرَ بِذَبْحِهِ {يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: ١٠٢] وَمَعْرِفَتُهُ أَنَّ رُؤْيَاهُ أَمْرٌ أُمِرَ بِهِ ا. هـ
(٣) انظر: الأم للشافعي (٥/ ١٣٧)، الأسماء والصفات للبيهقي (١/ ٤٩١)
(٤) البخاري (٣) واللفظ له، ومسلم (١٦٠).
(٥) تقدم تخريجه في المجلس العاشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>