للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن القيم: « … مداره على ثلاث قواعد: إيمان، وتقوى، وعمل خالص للَّه على موافقة السنة. فأهل هذه الأصول الثلاثة هم أهل البشرى دون مَنْ عَدَاهم من سائر الخلق، وعليها دارت بشارات القرآن والسنة جميعها، وهي تجتمع في أصلين: إخلاص في طاعة اللَّه، وإحسان إلى خلقه، وضدها يجتمع في الذين يراؤون ويمنعون الماعون، ويرجع إلى خصلة واحدة، وهي موافقة الرب سبحانه وتعالى في محابِّه، ولا طريق إلى ذلك إلا بتحقيق القدوة ظاهرًا وباطنًا برسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-. وأما الأعمال التي هي تفاصيل هذا الأصل، فهي: «بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَعْلَاهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ» (١). وبين هاتين الشعبتين سائر الشُّعب التي مرجعها إلى تصديق الرسول -صلى الله عليه وسلم- في كل ما أخبر به، وطاعته في جميع ما أمر به إيجابًا واستحبابًا، كالإيمان بأسماء الرب وصفاته وأفعاله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل ا. هـ (٢)

[دخول الجنة برحمة الله]

فليس عمل العبد مستقلا بدخولها، ولكنه سببٌ من أسباب دخول الجنة. كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: لَا، وَلَا أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ» (٣) والمعنى أنَّ هذه الأعمال ليست ثمنًا، ولكنها سبب، فالباء في قوله تعالى: {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٤)} [الأحقاف] سببيةٌ أي: بسبب أعمالكم، وليست باء الثمنية، قال غيرُ واحدٍ من السلف: "ينجونَ من النار بعفو الله ومغفرته، ويدخلونَ الجنة بفضله ونعمتِه، ويتقاسمونَ المنازلَ بأعمالهم ا. هـ فهذا ما تدل عليه الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة. (٤)


(١) تقدم تخريج هذا الحديث برواياته المختلفة في المجلس الأول.
(٢) حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح - ط عطاءات العلم (٢/ ٨٢٦).
(٣) أخرجه البخاري (٥٦٧٣)، ومسلم (٢٨١٦) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(٤) انظر: مفتاح دار السعادة (١/ ٢٠)، وحادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» (١/ ١٧٦) لابن القيم، البرهان في علوم القرآن للزركشي (٢/ ٦٧)، والمحجة في سير الدلجة لابن رجب -ضمن مجموع مؤلفاته- (٤/ ٣٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>