للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في ذات الله]

وقال نُعَيْمُ بْنِ حَمَّادٍ -رحمه الله-: حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يُؤْمِنَ بِجَمِيعِ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَيَتْرُكَ التَّفَكُّرَ فِي الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَيَتْبَعَ حَدِيثَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «تَفَكَّرُوا فِي الْخَلْقِ وَلَا تَتَفَكَّرُوا فِي الْخَالِقِ». {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١]، وَلَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ ا. هـ (١)

وقال الإمام البربهاري -رحمه الله-: والفكرة في الله تبارك وتعالى بدعة؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الله». فإن الفكرة في الرب تقدح الشك في القلب ا. هـ (٢)

وقوله: (والفكرة في الله): أي في ذات الله -عز وجل-، فإنها لا تجوز لأنَّ العبد إذا فكَّر، فإنّما يفكر بما يتصوره عقله، وبما يخطر على ذهنه، من مرئياتٍ، ومسموعاتٍ، ومعلومات، والله سبحانه تعالى فوق ذلك كلِّه فلا ينبغي لأحدٍ أن يفكر في ذاته تعالى، لأنَّه كلَّما تصور شيئاً، فالله -عز وجل- بخلافه، ويكفينا أن نفكر في خلق الله. والحديث المذكور له طرق كلها ضعيفة (٣). ومن أمثلها ما رواه محمد بن عثمان بن أبي شيبة عَنْ


(١) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (٣/ ٥٨٢).
(٢) شرح السنة (ص ٦٨) وانظر: «طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى (٢/ ٢٣ ت الفقي)
(٣) رواه هناد بن السري في الزهد (٢/ ٤٦٩) قال: حدثنا محمد بن عبيد، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة قال: مر النبي -صلى الله عليه وسلم- على قوم يتفكرون فقال: «تَفَكَّرُوا فِي الْخَلْقِ وَلَا تَفَكَّرُوا فِي الْخَالِقِ» وهذا مرسل أو معضل، فعمرو من صغار التابعين. وأخرجه حرب الكرماني في مسائله -ت فايز حابس- (٣/ ١١٥٤) من طريق محمد بن عبيد به. وأخرجه أبو القاسم الأصبهاني قوام السنة في الترغيب والترهيب (٦٧٢) من طريق أبي أسامة عن الأعمش به. ووصله أبو الشيخ في العظمة (٥) قال: حدثنا محمد بن أبي يعلى - (وهو محمد بن إسحاق بن إبراهيم شاذان، من رجال الطبراني وهو مجهول يروي هنا عن أبيه) -، أنا إسحاق بن إبراهيم (الملقب شاذان ويروي هنا عن جده)، أنا سعد بن الصلت -وهو في ثقات ابن حبان وقال ربما أغرب-، أنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن رجل، حدثه عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: مر النبي -صلى الله عليه وسلم- على قوم يتفكرون في الله، فقال: «تفكروا في الخلق، ولا تفكروا في الخالق، فإنكم لا تقدرون قدره». وهذا إسناد ضعيف. ورواه أبو القاسم إسماعيل التيمي في الترغيب والترهيب (٦٧٠) عن عبد الحميد بن يحيى الحماني -وهو ضعيف-، ثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- به. ورواه أبو الشيخ (٤/ ١٤٨٩) عن مقاتل، عن عكرمة، عن ابن عباس، -رضي الله عنهما- قال: دخل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن في المسجد حَلَق حَلَق، فقال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فِيمَ أَنْتُمْ؟»، قُلْنَا نَتَفَكَّرُ فِي الشَّمْسِ كَيْفَ طَلَعَتْ؟ وَكَيْفَ غَرَبَتْ؟ قَالَ: «أَحْسَنْتُمْ، كُونُوا هَكَذَا، تَفَكَّرُوا فِي الْمَخْلُوقِ، وَلَا تَفَكَّرُوا فِي الْخَالِقِ، فَإِنَّ اللَّهَ -عز وجل- خَلَقَ مَا شَاءَ لَمَّا شَاءَ»، … وذكر حديث طويلا. وإسناده مسلسل بالمجاهيل. وروى عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- مرفوعاً: «تَفَكَّرُوا فِي آلَاءِ اللَّهِ، وَلَا تَتَفَكَّرُوا فِي اللَّهِ» أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (١٢١١١) والطبراني في المعجم الأوسط (٦٣١٩) وابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال (٨/ ٣٨٥) والبيهقي في شعب الإيمان (١١٩) وغيرهم. وقال البيهقي: في إسناده نظر ا. هـ وهو كما قال. فالحديث من رواية الوازع بن نافع عن سالم بن عبد الله عن أبيه. والوازع ضعيف جدا. انظر: لسان الميزان ت أبي غدة (٨٣٢٣). وروى أبو عبد الرحمن السلمي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «تَفَكَّرُوا فِي خَلْقِ اللَّهِ، وَلا تَفَكَّرُوا فِي اللَّهِ» وسنده ضعيف جدا. رواه أبو الفضل الرازي في أحاديث في ذم الكلام وأهله (ص ٧٦) عن السلمي. وسنده رجاله ثقات، لكن السلمي مختلف فيه -وهو: من شيوخ الحاكم والبيهقي واسمه: محمد بن الحسين السلمي النيسابوري -وقد اتهم بالوضع. وله طريق أخرى رواها ابن عساكر وابن المحب عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: «تفكروا في آلاء اللَّه ولا تتفكروا في اللَّه، فإنكم لن تدركوه إلا بالتصديق» وسنده ضعيف جدا. أخرجه ابن عساكر في المجلس (١٣٩) من " الأمالي " (٥٠/ ١) -كما في السلسلة الصحيحة-، وابن المحب الصامت في صفات رب العالمين (١/ ٦٩٥ بترقيم الشاملة) بسند مسلسل بالمجاهيل عن بشر بن الوليد عن عبد العزيز بن سلمة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة. وهذا سند غريب منكر. ورواه الثعلبي والبغوي في تفسيريهما عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي قَوْلِهِ: "وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى"، قَالَ: «لَا فِكْرَةَ فِي الرَّبِّ» وسنده ضعيف جدا. أخرجه أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره "الكشف والبيان عن تفسير القرآن" ط دار التفسير (٢٥/ ١٦٢) ومن طريقه محي الدين البغوي في تفسيره ط طيبة (٧/ ٤١٧) عن أبي جعفر الرازي، عن أبيه عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبي بن كعب به. وإسناده ضعيف، أبو جعفر صدوق سيء الحفظ؛ ووالده لم أجد له ترجمة والظاهر أن في الإسناد خطأً وصوابه (عن ابن أبي جعفر عن أبيه، كما نقله الحافظ ابن كثير في تفسيره). ومن دون أبي جعفر جماعة لا يعرفون. وروي عن أبي أمامة ذكره في أطراف الغرائب والأفراد (٥/ ١٦) رقم (٤٥٣١) عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تَفَكَّرُوا فِي خلق الله -عز وجل- وَلَا تَفَكَّرُوا فِي الله». وقال: تفرد به عَليّ بن زيد الصدائي عَنْ أبي سعيد الشَّامي عَنْ مكحول عن أبي أمامة -رضي الله عنه-. وعلي بن زيد ضعيف والشامي مجهول. وروي عن أبي ذر -رضي الله عنه-. رواه أبو الشيخ في العظمة (٤) من طريق سيف ابن أخت سفيان، وهو كذاب بسنده عن أبي ذر مرفوعا «تَفَكَّرُوا فِي خَلْقِ اللَّهِ، وَلَا تَفَكَّرُوا فِي اللَّهِ فَتَهْلِكُوا».

<<  <  ج: ص:  >  >>