للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كيف كان يكون وهو سبحانه قد قدر مقادير الخلائق وكتب أعمال العباد قبل أن يعملوها كما ثبت ذلك في صريح الكتاب والسنة وآثار السلف. ثم إنه يأمر الملائكة بكتابتها بعد ما يعملونها فيقابل بين الكتابة المتقدمة على الوجود والكتابة المتأخرة عنه فلا يكون بينهما تفاوت هكذا قال ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره من السلف وهو حق. فإذا كان ما يخلقه بائنا عنه قد كتبه قبل أن يخلقه فكيف يستبعد أن يكتب كلامه الذى يرسل به ملائكته قبل أن يرسلهم به. ومن قال إن جبريل أخذ القرآن من الكتاب لم يسمعه من الله كان هذا باطلا من وجوه منها: … أن قوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١)} [الزمر] وقوله {حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢)} [غافر] وقوله {حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٢)} [فصلت] وأمثال ذلك يدل على أنه منزل من الله لا من غيره وكذلك قوله {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: ٦٧] فإنه يدل على: إثبات أن ما أنزل إليه من ربه، وأنه مبلغ مأمور بتبليغ ذلك ا. هـ (١)

[ذكر ما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في ذلك]

وقد سُئلتُ عن هذا الأثر الوارد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- ونقل لي السائل عن بعض العلماء -ومنهم العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- -، القول بتضعيفه رواية ودراية (٢). فاجتهدت في جمع طرقه والنظر في كلام العلماء حوله وتبين لي أن الصواب صحته رواية ودراية كما تقدم في كلام شيخ الإسلام وإليك بيان ذلك، فأقول:

قد ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- من طريق عكرمة ومقسم وسعيد بن جبير.

فأما رواية عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: فرواه دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: «نُزِّلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَكَانَ إِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُحْدِثَ مِنْهُ شَيْئًا أَحْدَثَهُ. هذا لفظ النسائي وفي رواية: " أُنْزِلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً [واحدة، مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ] إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا [فِي رَمَضَانَ] فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، ثُمَّ أُنْزِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي عِشْرِينَ سَنَةً، [كَانَ جِبْرِيلُ -عليها السلام- يَنْزِلُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-


(١) مجموع الفتاوى (١٢/ ١٢٧).
(٢) انظر: تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (٢/ ٣٣٣) وشرح العقيدة السفارينية (١/ ٢١٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>