للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الحافظ ابن رجب: والموجب لخشيته اللَّه في السر والعلانية أمور:

منها: قوة الإيمان بوعده ووعيده عَلَى المعاصي. ومنها النظر في شدة بطشه وانتقامه، وقوته وقهره، وذلك يوجب للعبد ترك التعرض لمخالفته، … ومنها قوة المراقبة له، والعلم بأنه شاهد ورقيب عَلَى قلوب عباده وأعمالهم وأنه مع عباده حيث كانوا ا. هـ (١)

[كلمة الحق في الرضا والغضب]

ثم يدعو العبد فيقول: «وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ» فهو يسأل الله -جل وعلا- أن يكون دائمًا على قول الحق في حال رضاه وفي حال غضبه وسخطه، وهذا من تمام إيمان العبد وصبره وهو دليل على قوة إيمانه؛ حيث لا يقول إلا الحق، في حال رضاه، فلا يجامل أحدًا، ولا يطلب من أحد شيئًا، ولا يبغي من أحد شيئًا؛ لأنه قد استقر في قلبه أن أَزِمَّة الأمور بيد الله فلن يقدِّم عنده ولن يؤخر رضا أحدٍ سوى رضا ربِّ العالمين -جل وعلا-. وكذلك كلمة الحق في حال الغضب، فإذا غضب فإنه يضبط أخلاقه ويضبط أقواله ويضبط أفعاله، فلا يقول إلا حقًّا، ولا يأتي إلا حقًّا، ولا يقع فيما حرَّم الله -جل وعلا- فانظر إلى أصحاب الجزع الذين إذا نزلت بهم المصيبة أو نزل بهم البلاء وَلْوَلُوا، وقالوا: لِمَ يا ربِّ وقع كذا وكذا؟! ونحوه من الاعتراض على أمر الله.

ومن عجيب ما ذكر في التراجم عن السلف أن عبد الله بن عون المزني: -وهو إمام ثقة من رجال الجماعة، وكان معروفا بالعلم والعمل وحفظ اللسان- (٢)، ذكروا في ترجمته -رحمه الله- أنه" كَانَ لَا يغْضَبُ، فَإِذَا أَغْضَبَهُ الرَّجُلُ قَالَ: بَارَكَ اللهُ فِيكَ" (٣). وقيل: كان أصحابه كأنهم يحبون أن يتبينوا فيه الغضب، وكانت له ناقة، وكان بها معجبًا، وقد حج عليها غير حجة، فبينما هو في طريق مَكَّة وقد ذهب لحاجة، إذ قام غلام له يعالج من الناقة شَيئًا، فضربها بشيء كان معه، ففقأ عينها، قال أصحابه: إن غضب يومًا من الدهر، غضب يومه هذا؛ فلما جاء قالوا: ما ترى الغلام فقأ عين الناقة، فنظر إليها، فما زاد على أن نظر إلى الغلام فقال له: بارك الله فيك، ثم أخذ قطنة فيها دهن، فجعله على عين


(١) ينظر: «شرح حديث عمار بن ياسر -رضي الله عنه- لابن رجب» (ص ١٦٥)
(٢) ينظر: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (٣/ ٣٧)، وتقريب التهذيب (ص ٣١٧)
(٣) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (٣/ ٣٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>