للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حاجة المرء إلى الحسنة الواحدة يوم القيامة]

وإنَّ الواحد منا يوم القيامة ليحتاج إلى الحسنة الواحدة، فيطلبها من أبيه، يطلبها من أخيه، يطلبها من أمه، يطلبها من أقرب الناس إليه، فلا يجدها أبدًا، كلٌّ يقول: نفسي نفسي، كما ذكر ذلك جماعة من أهل التفسير عند قول الله: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦)} [عبس]. فالأب يقول لأبنائه: أيَّ أبٍ كنت لكم؟ فيقولون: كنت خير أب لنا، فيقول: حسنة واحدة. فيقولون له: نحن نريد ما تريد لا نستطيع نحن نريد ما تريد (١).

[أصحاب الأعراف]

قد دلت الأدلة على أن الميزان يخف بمثقال حبة ويرجح.

وأصحاب الأعراف هم: قوم يأتون يوم القيامة، تستوي حسناتهم وسيئاتهم. فيُحجَزون على الأعراف (٢) ينظرون إلى أهل الجنة، وينظرون إلى أهل النار، {يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} [الأعراف: ٤٦] وإذا صرفوا أبصارهم إلى يسارهم نظروا أصحاب النار، {قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧)} [الأعراف]، فيتعوذون بالله من منازلهم. فهؤلاء حُجِزوا بسبب أنهم لو كان لهم حسنةٌ زائدة لنجَوا في حينها مما هم فيه من كرب وهم وغم.

وروي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه كان يقول: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً كُتِبَ لَهُ بِهَا عَشْرًا، وَإِذَا عَمِلَ سَيِّئَةً لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ إِلَّا وَاحِدَةٌ، ثُمَّ يَقُولُ: هَلَكَ مَنْ غَلَبَتْ وَحْدَاتُهُ أَعْشَارَهُ» (٣)


(١) انظر تفسير ابن كثير (٨/ ٣٢٥). وانظر ما تقدم (ص: ١٦٣)
(٢) الأعراف: جَمْعُ "عُرْف"، وَكُلُّ مُرْتَفَعٍ مِنَ الْأَرْضِ عِنْدَ الْعَرَبِ يُسَمَّى "عُرْفًا"، وهو: حِجَابٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وهو: السُّورُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ} [الحديد: ١٣] تفسير ابن كثير (٣/ ٤١٨).
(٣) رواه ابن المبارك في الزهد (٢/ ١٢٣) - ومن طريقه وطريق غيره الطبري (جامع البيان ط هجر ١٠/ ٢١٣ و ١٢/ ٣١٥) - وسنده واهٍ. وقال ابن فضيل في الدعاء (١١٥) حَدَّثَنَا دَاوُدُ -وهو ابن أبي هند-، عَنْ عَامِرٍ -وهو الشعبي- قَالَ عَبْدُ اللَّهِ - وهو ابن مسعود-: «أَرْبَعٌ لَا يَهْلِكُ بَعْدَهُنَّ إِلَّا هَالِكٌ قَالَ: إِذَا عَمِلَ الرَّجُلُ الْحَسَنَةَ كُتِبَتْ عَشْرًا، وَإِنْ هَمَّ بِهَا وَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ حَسَنَةً، وَإِنْ عَمِلَ سَيِّئَةً كُتِبَتْ سَيِّئَةً، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهَا وَهَمَّ بِهَا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ» ورجاله ثقات لكنه مرسل الشعبي لم يسمع من ابن مسعود.

<<  <  ج: ص:  >  >>