للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مراتب الإيمان بالقدر]

إذا عرفنا هذا فالعلماء -رحمهم الله- يقولون: الإيمان بالقدر له أربع مراتب، لا يصح الإيمان بالقدر إلا بالإيمان بها، وبمعرفتها يتبين لك حقيقةُ الإيمان بالقضاء والقدر.

المرتبة الأولى: العلم:

المرتبة الأولى: الإيمان بأن الله تعالى عَلِمَ ما الخلق عاملون، وعَلِمَ جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال، وعِلْمُه محيطٌ بهم، وبكل شأن من شؤونهم. ومعنى ذلك: الإيمانُ بأن الله يعلم كلَّ شيء، يعلم ما كان في الماضي، ويعلم ما هو كائن الآن، ويعلم ما سيكون، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، فالله بكل شيء عليم يعلم الماضي والمستقبل والحاضر. وَهُوَ سُبْحَانَهُ يعلم الشيء الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون. وبيانُه أن الكفار لما ادَّعَوا أنهم لو رجعوا إلى الدنيا لآمنوا بالله كذَّبهم الله، قال تعالى: {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا} وهم لن يُرَدُّوا قال الله: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: ٢٨] فالله يعلم الشيء الذي لن يحصل كيف سيحصل. ويقول ربُّنا سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧)} [المجادلة]. فإيمانك بالقدر معناه: الإيمان بعلم الله المطلق يقول ربنا: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٥٩)} [الأنعام] ويقول: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٦١)} [يونس]

فكلُّ شيء مكتوب، وكلُّ ما وقع فقد علمه الله قبل أن يقع، وهو سبحانه قد قدر مقادير الخلائق وكتب أعمال العباد قبل أن يعملوها وشاءها سبحانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>