للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، إذ طلع علينا رجلٌ شديدُ بياض الثياب، شديدُ سواد الشعر، لا يُرى عليه أثرُ السفر … الحديث، وهو حديث مشهور معروف، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك الصحابة بـ «أن هذا جبريل أتاكم يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ» (١).

ورأت أمُّنا عائشة -رضي الله عنها- الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- واضعًا يدَه على مَعْرَفة (٢) فرس دحية الكلبي يُكَلِّمه، فلما سألته عن ذلك، قال: «ذَاكَ جِبْرِيلُ -عليها السلام-، وَهُوَ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ» (٣).

وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا: أنه لما هاجر تائبًا جاءه الموت في منتصف الطريق إلى الأرض التي هاجر إليها قال في الحديث: «فاختصمت فيه ملائكةُ الرحمةِ وملائكةُ العذابِ فحكَّموا فيهم ملكًا جاءهم في صورة آدمي»، يقول -صلى الله عليه وسلم-: «فأتاهم ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قِيسُوا ما بين الأرضين». والحديث في الصحيحين (٤).

[سرعة الملائكة]

وكذلك جاء في السنة ما يدل على عِظَمِ سرعتهم، وأنهم سريعون جدًّا، فسرعة الملائكة فوق ما يُتَصَوَّر؛ فإن السائل لا يكاد ينتهي من سؤاله للنبي -صلى الله عليه وسلم- إلا وينزل جبريل -عليها السلام- من السماء إلى الأرض، فينزل بالوحي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا يخفى كم مقدار المسافة بين السماء والأرض. وقد روى عَاصِم بن أبي النجود، عَنْ زِرّ بن حبيش، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: «مَا بَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالَّتِي تَلِيهَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ كُلِّ سَمَاءَيْنِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَبَيْنَ الْكُرْسِيِّ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ الْكُرْسِيِّ إِلَى الْمَاءِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَالْعَرْشُ عَلَى الْمَاءِ، وَاللَّهُ تَعَالَى فَوْقَ الْعَرْشِ، وَهُوَ يَعْلَمُ


(١) تقدم تخريجه.
(٢) المَعْرَفة: موضع العُرْف من الفرس، والعُرْف: شعر العنق. انظر القاموس المحيط، والمعجم الوسيط مادة (عرف).
(٣) رواه أحمد في المسند (٢٤٤٦٢، ٢٥١٣١) عَنْ مُجَالِدٍ، -وهو ضعيف- عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَعْرَفَةِ فَرَسٍ، وَهُوَ يُكَلِّمُ رَجُلًا، قُلْتُ: رَأَيْتُكَ وَاضِعًا يَدَيْكَ عَلَى مَعْرَفَةِ فَرَسِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَأَنْتَ تُكَلِّمُهُ، قَالَ: «وَرَأَيْتِيهِ؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «ذَاكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ» قَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْ صَاحِبٍ وَدَخِيلٍ، فَنِعْمَ الصَّاحِبُ، وَنِعْمَ الدَّخِيلُ -والدَّخِيلُ: الضَّيْفُ-.
(٤) البخاري (٣٤٧٠)، ومسلم (٢٧٦٦) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.

<<  <  ج: ص:  >  >>