وتأملوا قول الله -سبحانه وتعالى- في الكافرين إذ قال -جل وعلا-: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}[الأنعام: ٣٣]
وفي قوله تعالى في قوم آل فرعون:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}[النمل: ١٤]
فإنَّ ذلك يدل على أن معرفة القلب لا تنفع حتى يكون مع ذلك إيمان بالله، وتصديق بوعده، وإيمان برسوله -صلى الله عليه وسلم- وعمل بشريعته.
ولذلك فإنَّ الكفار والمنافقين غالبًا ما يُقرِّون بالربوبيَّة، ويُقرِّون بالرسالة، ولكنَّ الكِبْرَ، والبُغضَ، وحُبَّ الرياسة، وحُبَّ الشهوات يصُدُّهم عن الطاعة، وعن الإخلاص، وعن المتابعة، وعن الإيمان بالله -جل وعلا- وتوحيدِه. فهذا يوضح لك -أخي في الله- ما يتعلق بالأمر الأول، وهو اعتقاد القلب، وأنه لا بُدَّ منه.
[قول اللسان]
أما الأمر الثاني وهو قول اللسان أو الإقرار باللسان فإن العلماء قد ذكروا أن قول اللسان جزء من مسمَّى الإيمان، وركن من أركانه. والمقصودُ بقول اللسان: الأعمالُ التي تُؤَدَّى باللسان، كالشهادتين، والذكر وتلاوة القرآن، والصدق، والنصيحة، والدعاء، وغير ذلك مما لا يُؤَدَّى إلا باللسان، وهي أعمال صالحة كثيرة، منها: ما هو واجب، ومنها: ما هو مستحب، ومنها: ما هو شرط لصحة الإيمان.
تأمل قول الله -جل وعلا- في كتابه الكريم: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦)} [البقرة] ثم قال بعد ذلك: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ}[البقرة].
ففي هذه الآية يأمرنا الله -جل وعلا- أن نقول:{آمَنَّا} ثم يقول بعد ذلك: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ} فأمرنا أن نقول: آمنَّا بهذا كله ونحن له مسلمون.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «أخبر أنهم إن تولوا عن الإيمان {بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ} المتضمن قولكم: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}{فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} أي: مشاقون لله