للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورسوله» (١).

فسمَّى الله -جل وعلا- قولهم مثل ذلك إيمانًا؛ لأنه قال: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ} فالله أمر المؤمنين بالقول.

ثم تأمل قول الله -سبحانه وتعالى-: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: ٨٤ - ٨٥]

هذه الآية في قوم نطقوا بالإيمان بألسنتهم، لكنهم أتوا به في غير وقته، فلم ينفعهم انتقالهم من الكفر إلى الإيمان؛ لأنهم قالوا ذلك لما رأوا بأس الله وعذابه.

وقد جاء في الصحيحين قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» (٢) الحديث. فهذا بيان أنه لا بُدَّ في الإيمان من قول اللسان؛ فالحديث أصل في دخول الأعمال والأقوال في مسمَّى الإيمان.

وكما هو معروف من قصة أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- حِبِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابن حبِّه- لما بعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الحرقة من جهينة، قال أسامة: فصبَّحْنا القوم، فهزمناهم، ولحقت أنا ورجلٌ من الأنصار رجلًا منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكفَّ عنه الأنصاري، وطعنته برمحي حتى قتلته، قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لي: «يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟» قال: قلتُ: يا رسول الله، إنما كان مُتَعَوِّذًا، قال: فقال: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟» قال: فما زال يكررها عليَّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمتُ قبل ذلك اليوم (٣).

وعَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ -رضي الله عنه-، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي، فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا، ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ، فَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ، أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ قَالَ: رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَقْتُلْهُ» قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ قَدْ قَطَعَ يَدِي، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَطَعَهَا، أَفَأَقْتُلُهُ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لَا


(١) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (٣/ ٧٧)
(٢) أخرجه البخاري (١٣٩٩)، مسلم (٢٠) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-. والبخاري (٢٥) ومسلم (٢٢) من حديث ابن عمر -رضي الله عنه-. والبخاري (٣٩٢) عن أنس -رضي الله عنه-. وهو بلفظ: « … حَتَّى يَشْهَدُوا … ».
(٣) البخاري (٤٢٦٩، ٦٨٧٢)، مسلم (٩٦) من حديث أسامة -رضي الله عنه-.

<<  <  ج: ص:  >  >>